أدعية الطواف السبعة : رحلة روحية من القلب إلى الكعبة

يتناول هذا المقال أدعية الطواف السبعة حول الكعبة المشرفة في الحج والعمرة، وتعَدُّ مناسك الحج والعمرة من أسمى العبادات في الإسلام، فهما رحلةٌ إيمانيةٌ عميقةٌ تُعزز صلة العبد بربه، وتُطهِّر روحه، وتُجدد عهده مع خالقه. وفي قلب هذه المناسك، يبرز الطواف حول الكعبة المشرفة كأحد أركانها الأساسية وأكثرها روحانيةً وتأثيراً في النفس. إنَّ كل خطوة في الطواف، وكل همسة دعاء، وكل نظرة إلى البيت العتيق، تحمل معانٍ عميقةً وفتحاً عظيماً على قلب الحاج والمعتمر.
لقد وردت الكثير من الأذكار والأدعية التي تُقال في الطواف والسعي، منها ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو من اجتهادات السلف الصالح. والأصل في الدعاء أن يكون نابعاً من القلب، خالصاً لله تعالى، وأن يدعو المسلم بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة. ومع ذلك، فإن تحري الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها هو الأفضل والأكمل، فهي تُجسد الهدي النبوي الشريف، وهو خير الهدي وأتمه.
جوهر الطواف: الذكر والدعاء
الطواف ليس مجرد دوران حول بناء، بل هو عبادةٌ قلبيةٌ وجسديةٌ تهدف إلى التعبير عن غاية التعظيم والخضوع لله وحده. فيه يتجلى التوحيد الخالص، والانقياد التام لأوامر الله. والقلب الحيُّ في الطواف هو الذي يُدرك عظمة الموقف، فيُكثر من ذكر الله والدعاء، مستحضراً معاني الإخلاص والخشوع.
إنَّ لحظات الطواف هي فرصٌ ذهبيةٌ لاستجابة الدعاء، فالطائف يكون في ضيافة الرحمن، في مكانٍ مباركٍ تتنزل فيه الرحمات وتُجاب فيه الدعوات. لذا، يُشجَّع المعتمر والحاج على استغلال كل لحظة في هذه العبادة العظيمة بالذكر والدعاء.
أدعية الطواف السبعة بين المأثور والمستحب
على الرغم من أنَّه لم يَرِدْ نصٌّ شرعيٌّ في أدعية الطواف السبعة يلزم الحاج أو المعتمر بدعاءٍ محددٍ لكل شوطٍ من أشواط الطواف السبعة، إلا أنَّ هناك أدعيةً مستحبةً وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن السلف الصالح، ويُرددها كثيرٌ من المسلمين أثناء الطواف. هذه الأدعية تُساعد على حضور القلب وتوجيه الدعاء في إطارٍ جامعٍ لخيري الدنيا والآخرة.
1. بدء الطواف: التكبير والاستلام
في بداية أدعية الطواف السبعة يستحب أن يبدأ الطواف بالتكبير عند محاذاة الحجر الأسود أولاً، وعند ابتداء الطواف أيضاً. وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه بشيءٍ عنده (المحجن) وكبَّر.
ويُستحب أن يُقال عند استلام الحجر الأسود، أو الإشارة إليه إن تعذر الاستلام: “بسم الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.”
وهذا الذكر يُستحب تكراره عند محاذاة الحجر الأسود في كل شوط.
2. الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود
من أدعية الطواف السبعة الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود، ومن السنة المؤكدة أن يُدعى بين الركن اليماني والحجر الأسود في كل شوط من أشواط الطواف بالدعاء الجامع: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.” هذا الدعاء ورد في القرآن الكريم، وهو دعاءٌ شاملٌ يجمع بين خيري الدنيا والآخرة، وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر منه في هذا الموضع.
أدعيةٌ مستحبةٌ في كل شوط: تنوعٌ واجتهاد
بالإضافة إلى الأدعية المأثورة ضمن أدعية الطواف السبعة ، هناك أدعيةٌ تُردد في كل شوط من أشواط الطواف، وهي اجتهاداتٌ من العلماء والسلف الصالح تُعين الطائف على التركيز والخشوع، وإن لم تكن مقيدةً بنصوصٍ صريحةٍ لكل شوط على حدة. يجوز للمعتمر أن يدعو بما في قلبه من حاجات، أو أن يستعين بهذه الأدعية المستحبة.
الشوط الأول: طلب الرزق والخير والبركة
من أدعية الطواف السبعة دعاء الشوط الأول بعد أول أدعية الأشواط السبعة في هذا الشوط، يمكن للمسلم أن يُركز على طلب البركة في حياته ورزقه، والتضرع إلى الله أن يفتح له أبواب الخير.
- “اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً.” (يُفضل هذا الدعاء في الأشواط الثلاثة الأولى خاصةً عند الرمل، كما ذُكر عن بعض السلف).
- “اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على ظُلَل الماء، كما يمشى به على جدد الأرض، وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك، وأسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك، وأسألك باسمك الذي ناداك به موسى من جانب الطور فاستجبت له، وألقيت عليه محبة منك، وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأتممت عليه نعمتك، أن ترزقني خير الدنيا والآخرة.”
هذا الدعاء الطويل يُناجي الله تعالى بأسمائه وصفاته العظيمة، ويُطلب فيه خير الدنيا والآخرة، مُستحضراً عظمة الله وقدرته التي تتجلى في الكون.
الشوط الثاني: الاستغفار وطلب العافية
يُركز في هذا الشوط على طلب المغفرة والعفو من الله تعالى، والإقرار بالذنب والتقصير.
- “اللهم اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم.” (يُفضل هذا الدعاء في الأشواط الأربعة الأخيرة).
- “اللهم إني إليك فقير، وإني خائف مستجير، فلا تغير جسمي، ولا تبدل اسمي، سائلك فقير، مسكينك ببابك، فتصدق عليه بالجنة. اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائد بك، المستجير بك من النار، فاعتقني ووالدي وأهلي وولدي وإخواني المؤمنين من النار، يا جواد يا كريم.”
يُعبر هذا الدعاء عن فقر المسلم وحاجته إلى الله، وطلبه للعفو والمغفرة، مع استحضار قدسية المكان وطلب العتق من النار له وللمسلمين أجمعين.
الشوط الثالث: طلب دخول الجنة والنجاة من النار
من أدعية الطواف السبعة في هذا الشوط، يشتدُّ طلب الجنة والنجاة من عذاب النار، مع طلب العافية في البدن والرزق.
- “اللهم أدخلني الجنة برحمتك، وأجرني من النار، وعافني من السقم، وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم. يا ذا المن والطول، يا ذا الجود والكرم، إن عملي ضعيف فضاعفه لي، وتقبله مني، إنك أنت السميع العليم.”
هذا الدعاء يطلب فيه المسلم دخول الجنة والنجاة من النار، والعافية الجسدية، والرزق الحلال، والحماية من شرور الإنس والجن، مع التضرع إلى الله بقبول العمل الصالح.
الشوط الرابع: طلب العافية للخلق ودوامها
يُركز في هذا الشوط على طلب العافية الشاملة والدوام عليها، والشكر لله على نعمه.
- “يا الله، يا ولي العافية، وخالق العافية، ورازق العافية، والمنعم بالعافية، والمتفضل بالعافية علي وعلى جميع خلقك، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، صلّ على محمد وعلى آل محمد، وارزقنا العافية ودوام العافية، وتمام العافية، وشكر العافية في الدنيا والآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين.”
هذا الدعاء يُركز على طلب العافية بجميع صورها ودوامها، ويُعبر عن الشكر لله تعالى على هذه النعمة العظيمة.
الشوط الخامس: طلب الهداية والتقوى والغنى بالله
في هذا الشوط ضمن أدعية الطواف السبعة، يُركز على طلب الهداية والصلاح، والبعد عن المحرمات، والاستغناء بالله عن خلقه.
- “الحمد لله الذي شرفك وعظمك، والحمد لله الذي بعث محمدًا نبيًا، وجعل عليًا إمامًا. اللهم اهد له خيار خلقك، وجنبه شرار خلقك.” (ويُكرر بعده الدعاء القرآني: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾).
هذا الدعاء يجمع بين حمْد الله على نعمة الإسلام والنبوة، وطلب الهداية والصلاح، مع تكرار الدعاء الجامع.
الشوط السادس: طلب الرحمة وستر الذنوب
يُركز في هذا الشوط على طلب الرحمة والمغفرة، وستر العيوب، والاعتراف بالتقصير.
- “اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائد بك من النار، اللهم من قبلك الروح والفرج، والعافية. اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه مني، وخفي على خلقك، أستجير بالله من النار.”
هذا الدعاء يُعبر عن قرب العبد من ربه، وحاجته إلى رحمته وعفوه، مع طلب مضاعفة الأعمال الصالحة وستر الذنوب.
الشوط السابع: الختام بالشكر والقبول
في الشوط الأخير من أدعية الطواف السبعة ، يُختتم الطواف بالدعاء بالقبول والشكر لله، مع الاعتراف بالذنوب.
- “اللهم إني عندي أفواجًا من ذنوب، وأفواجًا من خطايا، وعندك أفواجٌ من رحمةٍ وأفواجٌ من مغفرة. يا من استجاب لأبغض خلقه إذ قال: ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، فاستجب لي. اللهم قنّعني بما رزقتني، وبارك لي فيما آتيتني.”
هذا الدعاء يُعبر عن اعتراف المسلم بكثرة ذنوبه، وحاجته الماسة إلى رحمة الله ومغفرته، مع طلب الرضا بما قسمه الله والبركة فيه.
آداب الدعاء أثناء الطواف
للدعاء في الطواف آدابٌ تزيد من فرصة استجابته وعمق تأثيره في النفس:
- الإخلاص والخشوع: يُعدُّ الإخلاص لله تعالى وحضور القلب والخشوع أثناء الدعاء من أهم آداب الدعاء، فالله لا يستجيب لدعاء قلبٍ غافلٍ لاهٍ.
- التركيز على الله تعالى: أن يكون قلب الطائف وعقله مُتعلِّقين بالله وحده، مُستحضراً عظمته وقدرته على تحقيق الأمنيات.
- الدعاء بما يحبُّ المعتمر من أمور الدين والدنيا: فالباب مفتوحٌ للدعاء بكل ما يتمناه العبد، من خير الدين والدنيا، للمسلمين جميعاً ولنفسه وأهله.
- تجنب إيذاء الآخرين: عند استلام الحجر الأسود أو الركن اليماني، يجب تجنب التزاحم الشديد وإيذاء الآخرين. فإذا تعذر الاستلام، تكفي الإشارة والتكبير.
- الهدوء والسكينة: يُستحب الحفاظ على الهدوء والسكينة أثناء الطواف، وعدم رفع الصوت بالدعاء بشكلٍ يُزعج الآخرين، بل يكون الدعاء بهدوءٍ وخضوع.
- الدعاء بالدعوات الجامعة: الدعاء بالدعوات الجامعة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة هو الأفضل، كدعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”.
- البدء بالحمد والثناء والصلاة على النبي ﷺ: يُستحب أن يبدأ الدعاء بالثناء على الله وحمده، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا من أسباب استجابة الدعاء.
فتاوى حول أدعية الطواف: التيسير والعموم
يُشير العلماء، كالإمام ابن باز رحمه الله، إلى أنَّه ليس للطواف والسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة أدعية مخصصة لا بد منها. بل المشروع للمؤمن أن يدعو ويذكر الله بما تيسر له، وليس هناك حدٌّ محدود. يمكن للمسلم أن يُردد أذكاراً عامةً كـ:
- “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير.”
- “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.”
- “سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.”
وأن يدعو بما يشاء من الدعوات، يسأل ربه المغفرة والجنة والنجاة من النار، ويدعو لوالديه وللمسلمين أجمعين، ولولاة الأمور، ولخير الدنيا والآخرة.
الاستثناء الوحيد المستحب هو الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود بقول: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”. وهذا الدعاء مستحبٌّ، وليس واجباً، فلو تركه الطائف ودعا بغيره، فلا حرج عليه.
مواضع أخرى للدعاء المُستجاب:
- عند رؤية الكعبة: يُعتبر الدعاء عند رؤية الكعبة مستجاباً، وهي لحظةٌ عظيمةٌ لسكب الدموع والتضرع.
- على الصفا والمروة: يستحب الإكثار من الدعاء والذكر والتكبير على الصفا والمروة، مُستقبلًا القبلة ثلاث مرات، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وكان من ذكره على الصفا والمروة: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده”.
- يوم عرفة: الوقوف بعرفة من أعظم مواطن الدعاء، ويُستحب الإكثار فيه من الدعاء والذكر والتهليل، رافعاً يديه، مُلحاً في الدعاء.
أهمية حضور القلب في الدعاء
الفارق الأكبر في قبول الدعاء في أدعية الطواف السبعة لا يكمن في طوله أو في عدد كلماته، بل في حضور القلب والخشوع أثناءه. فالأدعية المأثورة أو المستحبة هي وسائل مُعينة على حضور القلب، وليست قيوداً تحدُّ من الدعاء. إذا كان القلب حاضراً، مُستشعراً عظمة الله، فكلُّ دعاءٍ يخرج من هذا القلب يكون له وزنه وثقله عند الله.
إنَّ الغاية من الطواف والسعي وكل المناسك هي تصفية الروح، وتزكية النفس، وتقوية الصلة بالله. والدعاء هو أداةٌ قويةٌ لتحقيق هذه الغاية. لذا، يُنصح الحجاج والمعتمرون بالتركيز على جودة الدعاء وحضور القلب، بدلاً من مجرد ترديد كلماتٍ دون تدبر.
نصائح عملية للطائفين والمعتمرين
- الاستعداد الروحي: قبل الشروع في الطواف، هيئ قلبك للدعاء والذكر، وتخلص من مشاغل الدنيا.
- الكتيبات الإرشادية: لا بأس بالاستعانة ببعض الكتيبات الخاصة بأذكار الطواف والسعي، بشرط أن تكون من الكتيبات التي تتحرى الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما من يحفظ الأدعية، فالأفضل له الاعتماد على ما يحفظه وما يُوفق إليه من الدعاء الخاص به، فهذا مظنة الخشوع وحضور القلب.
- القراءة في القرآن: إن قرأ شيئاً من القرآن في طوافه أو سعيه فحسن، لأن القرآن أعظم الذكر.
- الصلاة على النبي ﷺ: الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأدعية، مع حمد الله والثناء عليه، فهذا من أسباب إجابة الدعاء.
- الدعاء في السجود وبعد التشهد: لا تقتصر على أدعية الطواف، بل استغل أوقات الإجابة الأخرى كالسجود وفي آخر الصلاة قبل السلام.
- بين الأذان والإقامة: إذا أُذن للصلاة، استغل الوقت بين الأذان والإقامة في الدعاء، فهو وقتٌ مُستجاب.
في الختام، إن رحلة الطواف السبعة هي فرصةٌ لا تُعوض للتقرب إلى الله، وتطهير النفس، وطلب المغفرة والرحمة. سواءً اخترتَ الأدعية المأثورة، أو الأدعية المستحبة لكل شوط، أو دعيتَ بما في قلبك من حاجات، فإنَّ الأهم هو أن يكون قلبك خاشعاً، ولسانك ذاكراً، ونفسك مُقبلةً على الله. فالله تعالى يستجيب لمن دعاه بيقين وثقة وإخلاص.
مواضيع ذات صلة: