العقيدات وش يرجعون وتاريخهم الذي يجهله الأحفاد
عندما تُذكر العقيدات وش يرجعون، تُذكر ملحمة قبيلة لم تُهزم أمام جيوش الاستعمار، وقاومت حتى حررت أرضها بسيوف أبنائها قبل سقوط آخر جندي فرنسي في سوريا. هم ليسوا مجرد قبيلة عربية، بل قوة تاريخية صاغت مصير شرق سوريا، من صحراء حائل إلى ضفاف الفرات الخالد. إذا كنت تبحث عن أصل أسطورة حية، فإليك الإجابة: العقيدات وش يرجعون إلى بني زبيد الأصغر من مذحج القحطانية، لكن تراثهم أكبر من أن يحويه النسب وحده.
من أين قبيلة العقيدات
ينتمي العقيدات إلى بني زبيد الأصغر، الذين يُعدون فرعًا من زبيد الأكبر بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج، ضمن قبائل كهلان القحطانية العريقة. موطنهم الأصلي حتى القرن الثالث الهجري كان وادي تثليث في نجد، تلك البقعة التي لا تزال معقل قبائل قحطان حتى اليوم. يقول مضر حماد الأسعد، عضو مجلس القبائل والعشائر السورية:
“جذور العقيدات ضاربة في تثليث، لكن رحلتهم نحو الشمال بدأت حين غادروا جبال طي (أجا وسلمى) بعد صراع دامٍ مع تحالف شمر القبلي”.
سر الاسم: لماذا سُمّوا “العقيدات”؟
الاسم يحمل في طياته رحلة الهجرة الكبرى:
- عقدة حائل: بلدة في منطقة حائل بنجد، كانت آخر موطن لهم في الجزيرة العربية.
- الهجرة إلى الفرات: عند انتقالهم إلى سوريا والعراق، حملوا اسم موطنهم الأخير في نجد.
- التحول اللغوي: تحوّل “عقدة” إلى “عقيدات” بمرور الزمن، كرمز للتمسك بالأصل رغم البُعد.
الهجرة الكبرى: الرحلة التي غيّرت خارطة القبائل
كانت هجرة العقيدات جزءًا من آخر الموجات البدوية الكبرى من الجزيرة:
- القرن التاسع الهجري: بداية التحرك شمالاً تحت ضغط تحالفات شمر.
- طريق الهجرة: من تيماء إلى بوادي العراق وسوريا.
- رفاق الرحلة: مع قبائل زبيدية أخرى مثل الدليم والجبور والعزة والجنابيين.
- الصراع على الأرض: مواجهات مع قبائل قيسية وزبيد الأكبر استقرت لصالحهم.
قلب السلطة: دير الزور ومعاقل النفوذ
أصبحت دير الزور العاصمة غير المُعلنة للعقيدات، حيث رسخوا وجودهم:
- الضفة اليمنى للفرات: من التبني غرباً إلى الهري على الحدود العراقية.
- الضفة اليسرى (الجزيرة): من خشام إلى الباغوز.
- نهر الخابور: من الصور شمالاً حتى مصبه في البصيرة.
- النسبة السكانية: يشكلون مع أحلافهم 60% من سكان محافظة دير الزور.
شجرة قبيلة العقيدات
تنحدر العقيدات من أربع شخصيات أسطورية:
| الأصل | الفروع الرئيسية | شيوخهم البارزون |
|---|---|---|
| كامل الغنام | البو كامل | آل الهفل |
| كمال الغنام | البو كمال | آل الجراح، آل الدندل |
| زامل الغنام | الشعيطات | انضموا لاحقاً للبو كمال |
| محمد “الساري” الصهيبي | البو سرايا | آل الشلاش، آل الفياض |
فروع البو كمال: نسيج القوة المعقد
تتشعب البو كمال إلى بطون رئيسية شكلت دروع القبيلة:
- الحسّون (عيال حسن):
- العلي الحسون (شيوخ الدندل).
- المحمد الحسون (الصويلح).
- الدميم (أخوة ميثة):
شيوخهم آل الجراح، ومنهم السفير نواف الفارس الجراح. - الجعالكة:
قلة عددية لكن نفوذهم في السوسة والموصل. - الشعيطات (عيال زامل):
انضموا للبو كمال (الخنفور، الرفاعي). - المريح (أخوة عفة):
من أبناء بدران (المحمد الفنطل). - المراشدة:
أبناء مرشد الداود الكمال. - الدليج:
وجود قوي في العراق. - البو حردان:
من أبناء علي الداود الكمال.
بطولات خالدة: كيف هزم العقيدات أعتى جيوش الأرض؟
سجل العقيدات أروع صفحات المقاومة ضد الاستعمار:
ثورة 1920: الشرارة التي أشعلت العراق
- تحرير دير الزور والبوكمال: من البريطانيين بقيادة عشيرتي البوخابور والعنابزة.
- مطاردة البريطانيين: داخل الأراضي العراقية لمسافة 200 كم.
- معارك أسطورية:
المجرود، المدكوك، النسورية، وادي الرتقة، الصفرة، البارج، الفحيمي.
المقاومة الفرنسية: تحرير البوكمال قبل الجميع
- معارك ضارية: البوكمال، خشام، أبو سيباط، المصلخة.
- تحرير البوكمال: في آذار 1945 – قبل بقية المدن السورية.
- تكتيك حرب العصابات: قطع خطوط الإمداد بين بغداد والموصل.
الانتشار الجغرافي: من دير الزور إلى ريف دمشق
لم يعد نفوذ العقيدات مقتصراً على الفرات:
| المحافظة | أبرز العشائر والفروع |
|---|---|
| دير الزور | البو كامل، البو كمال، البو سرايا (60% سكان) |
| الحسكة | تجمعات حديثة من أبناء القبيلة |
| الرقة | البياطرة، البراغلة، الشمطة |
| حلب | البوليل، الخرفان، الهرامشة، البوكمال |
| حماة وحمص | الدغامشة، البوسيف، البو سلامة |
| ريف دمشق | الضامن، الحمودي، المعاضيد في عذرا والغوطة |
التحالفات القبلية: شبكة النفوذ التي لا تُقهر
نسج العقيدات تحالفات استراتيجية مع:
- الموالي الطائية: حلفاء التاريخ القديم.
- قبائل الزبيد الأكبر: الجبور، البو شعبان.
- القبائل القيسية: في مناطق التداخل الجغرافي.
- عشائر الحضر: الخريشة (بني صخر)، الظفير في المدن.
رجالات صنعوا التاريخ: من الشيوخ إلى الأدباء
برز من العقيدات أسماء أصبحت جزءاً من الذاكرة الجمعية:
- القادة: رمضان باشا شلاش، الشيخ جدعان الهفل، الفارس كوان الجبارة.
- الأدباء: الشاعر سليمان العقيدي، الأديبة تماضر الموح.
- العلماء: القاضي محمود الخزام، الشيخ صالح الجراح.
في عيون المؤرخين: شهادات لا تُنسى
- البارون فون أوبنهايم:
“العقيدات أكبر قبيلة في بلاد الرافدين، محاربون أشداء دافعوا عن حريتهم ببسالة ضد الأتراك ثم البريطانيين والفرنسيين”. - أحمد وصفي زكريا:
“العقيدات من أكبر عشائر الشام عدداً، وأبعدها في باب الوثوب والمقارعة أثراً”. - سلطان السرحاني:
“لهم أيام معدودة مع شمر والدليم، وساعدت في طرد الفرنسيين من سوريا”.
العقيدات اليوم: حراس التراث في زمن العواصف
رغم كل التحديات:
- الحفاظ على النسيج الاجتماعي: عبر ديوانيات ومجالس تلتف حول شيوخ آل الهفل والجراح.
- التأثير السياسي: لا تزال كتلة سكانية فاعلة في شرق سوريا.
- التمسك بالهوية: عبر إحياء الشعر البدوي وحكايات البطولة ضد المستعمر.
- التعليم والاقتصاد: بروز أطباء ومهندسين من أبنائهم مع الحفاظ على الزراعة والتجارة.
الخلاف العلمي: هل هم زبيديون أم مذحجيون؟
يدور جدل أنساب حول:
- الرأي الأول: انتسابهم المباشر لبني زبيد الأصغر (الأغلبية).
- الرأي الثاني: ارتباطهم بمذحج عبر زبيد الأكبر.
لكن الثابت أنهم قحطانيو النسب، حملوا اسم زبيد في رحلتهم التاريخية.
لماذا تبقى العقيدات “قبيلة الزمن الصعب”؟
لأنهم يجسدون ثلاث معادلات تاريخية:
- المقاومة = الهوية: لم يسلموا أرضاً للاستعمار.
- التحالف = القوة: نسجوا شبكة علابات مع قبائل متنوعة.
- الهجرة = البقاء: حولوا التشرد من نقمة إلى أداة بناء إمبراطورية قبلية.
العقيدات وش يرجعون ليس سؤال أنساب فقط، بل هو استفهام عن سر قبيلة كتبت بدماء أبنائها ملحمة لا تُنسى على ضفاف الفرات.. قبيلة علمت المستعمرين أن الرمال السورية تُدفن الغزاة، وأن “عقيدات” الفرات أشد من أي عُقدة تاريخية.
