الصواريخ الفرط صوتية اليمنية : تهديد نوعي وإعادة رسم خريطة القوة

يتناول هذا المقال الصواريخ الفرط صوتية اليمنية حيث شهد المشهد الجيوسياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط تطوراً مثيراً للقلق.

أعلن العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم قوات أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، عن تنفيذ قواته عملية عسكرية باتجاه تل أبيب باستخدام صاروخ متطور. الزعم الأكثر إثارة كان أن هذا الصاروخ قطع مسافة هائلة تبلغ 2040 كيلومتراً في زمن قياسي لم يتجاوز 11 دقيقة ونصف الدقيقة.

تشير الحسابات الفيزيائية الأولية إلى أن هذه السرعة تعادل تقريباً 13 ماخ (أي 13 ضعف سرعة الصوت)، أو ما يقارب 15000 كيلومتر في الساعة. هذا الإعلان لم يأتِ من فراغ؛ ففي مارس 2024، سبق أن أعلنت الجماعة عن استخدام صاروخ فرط صوتي بسرعة 8 ماخ (نحو 10000 كم/ساعة) يعمل بالوقود الصلب.

هذه التصريحات المتتالية، إذا ما ثبتت صحتها ولو جزئياً، تضع الصواريخ الفرط صوتية اليمنية في قلب التحولات التكنولوجية والعسكرية الإقليمية، وتدفع نحو تساؤلات جوهرية: ما هي هذه الأسلحة المتطورة؟ ما هي التحديات التي تواجهها؟ وإلى أي مدى وصل التنافس العالمي المحتدم، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة، في مجالها؟ وكيف يؤثر ظهورها في يد فاعل غير دولة مثل الحوثيين على موازين القوى؟

مواضيع ذات صلة: الصواريخ البالستية وصواريخ اسكود ماهو الفرق بينهما

ماذا يعني صاروخ فرط صوتي

1.1 تعريف السرعة الفرط صوتية والتقنيات الأساسية:
تشير السرعة الفرط صوتية (Hypersonic) بشكل أساسي إلى السرعات التي تتجاوز 5 أضعاف سرعة الصوت (5 ماخ) في الغلاف الجوي للأرض. عند مستوى سطح البحر، تبلغ سرعة الصوت حوالي 1235 كم/ساعة (343 م/ث)، مما يعني أن الصاروخ الفرط صوتي يسافر بسرعة لا تقل عن 6175 كم/ساعة. تصل السرعات القصوى لهذه الأسلحة نظرياً وعملياً إلى ما بين 5 ماخ و 20 ماخ أو أكثر. يتم تطوير وتوظيف نوعين رئيسيين من الأسلحة الفرط صوتية، يختلفان جوهرياً في آلية عملها:

1.2 التمييز الجوهري: ما الذي يجعلها مختلفة ومتفوقة؟
قد يطرح سؤال: أليست الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) أسرع بكثير (تصل سرعتها عند العودة للغلاف الجوي إلى 20-25 ماخ)؟ الجواب هو نعم، من حيث السرعة القصوى المطلقة. لكن الفارق الحاسم يكمن في ثلاث نقاط أساسية تميز الصواريخ الفرط صوتية وتجعلها تهديداً أكثر خطورة:

  1. المناورة (Maneuverability): الصواريخ الباليستية تتبع مساراً متوقعاً يشبه القطع المكافئ بعد انفصال رأسها الحربي. هذا يجعل تتبعها واعتراضها ممكناً نظرياً لأنظمة الدفاع الصاروخي الحالية (مثل منظومة THAAD الأمريكية أو منظومة S-400 الروسية). في المقابل، تمتلك الصواريخ الفرط صوتية، خاصة مركبات الانزلاق (HGVs)، قدرة عالية على تغيير مسارها وارتفاعها أثناء رحلتها بسرعات هائلة. هذه المناورة غير المتوقعة تحبط محاولات الاعتراض التقليدية التي تعتمد على حساب المسار المستقبلي.
  2. الطيران المنخفض نسبياً (Relatively Low Altitude): بينما تصل الصواريخ الباليستية التقليدية إلى ارتفاعات تزيد عن 1000 كم، تنزلق الأسلحة الفرط صوتية في طبقات أعلى من الغلاف الجوي (ما بين 40-100 كم تقريباً لمركبات الانزلاق). هذا الارتفاع يقع في منطقة “الظل الراداري” بالنسبة لعديد من الرادارات الأرضية المبكرة الإنذار، ويجعل اكتشافها وتتبعها أكثر صعوبة مقارنة بالصواريخ الباليستية ذات المسارات العالية والواضحة.
  3. السرعة والتوقيت (Speed and Timing): على الرغم من أن السرعة القصوى لبعض الصواريخ الفرط صوتية قد تكون أقل قليلاً من سرعة رؤوس الصواريخ الباليستية عند العودة، إلا أن سرعتها خلال معظم مسارها (خاصة مرحلة الانزلاق) تظل هائلة (5-20 ماخ) وتوفر زمناً للرد قصيراً جداً (Time-to-target). ادعاء الحوثيين بأن صاروخهم قطع 2040 كم في 11.5 دقيقة (سرعة ~177 كم/دقيقة أو ~13 ماخ) يوضح هذا التحدي بوضوح؛ فهو يترك للدفاعات وقتاً ضئيلاً للكشف والتتبع واتخاذ قرار الاعتراض.

1.3 القدرات التدميرية: أكثر من مجرد سرعة
تستطيع الصواريخ الفرط صوتية حمل رؤوس حربية تقليدية عالية الانفجار أو حتى رؤوس نووية. ما يميزها في كلا الحالتين هو:

التحديات التكنولوجية الهائلة – عبور حواجز الحرارة والتحكم

2.1 تحدي الحرارة الشديدة (Thermal Challenge):
يشكل الاحتكاك الهائل مع جزيئات الهواء عند السرعات الفرط صوتية (خاصة فوق 5 ماخ) تحدياً هندسياً ضخماً. تنتج درجات حرارة سطحية يمكن أن تتجاوز 2000 درجة مئوية، وهي كافية لإذابة معظم المواد المعروفة. مواجهة هذا التحدي تتطلب:

2.2 تحدي التوجيه والتحكم والملاحة (Guidance, Control & Navigation – GNC):
توجيه صاروخ يسير بسرعة 10 ماخ أو أكثر نحو هدف بعيد بدقة عالية يتطلب حلولاً متقدمة جداً:

2.3 تحدي الإفلات والبقاء (Survivability and Countermeasures):
بالإضافة إلى المناورة، يحتاج الصاروخ الفرط صوتي إلى وسائل لتعزيز فرصه في الوصول للهدف:

2.4 غياب الأطر التنظيمية:
يتمثل تحدٍ آخر في غياب أي أطر دولية ملزمة للحد من انتشار أو اختبار الصواريخ الفرط صوتية. فهي لا تخضع حالياً لاتفاقيات رئيسية مثل معاهدة الصواريخ متوسطة المدى (INF) المنتهية أو معاهدة ستارت الجديدة (New START) التي تركز على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وحاملاتها. هذا الفراغ التنظيمي يزيد من مخاطر سباق التسلح وعدم الاستقرار الاستراتيجي.

الدول التي تمتلك صواريخ فرط صوتية

3.1 روسيا: الريادة والاستخدام الميداني
أظهرت روسيا ريادة واضحة في نشر وتوظيف الصواريخ الفرط صوتية عملياً:

3.2 الصين: التقدم السريع والطموح العالمي
تقود الصين برنامجاً طموحاً ومتطوراً للغاية في مجال الصواريخ الفرط صوتية:

3.3 الولايات المتحدة: اللحاق بالركب والاستثمار المتسارع
وجدت الولايات المتحدة نفسها متأخرة بشكل ملحوظ في سباق الصواريخ الفرط صوتية، ودفعتها التطورات الروسية والصينية إلى بذل جهود استثنائية:

الصواريخ الفرط صوتية اليمنية – هل اليمن تمتلك صواريخ فرط صوتية

4.1 تفكيك ادعاء سبتمبر:
يستدعي إعلان الحوثيين عن صاروخ بسرعة 13 ماخ ومدى 2000+ كم تدقيقاً دقيقاً:

4.2 المصدر: الدعم الإيراني كعامل حاسم
يعتمد جيش أنصار الله (الحوثيون) بشكل شبه كامل على الدعم الفني والعسكري الإيراني. ظهور الصواريخ الفرط صوتية اليمنية مرجح بشدة أن يكون امتداداً لتطوير إيران لهذه التكنولوجيا:

4.3 التقييم الاستراتيجي والأمني:
ظهور الصواريخ الفرط صوتية اليمنية له تداعيات عميقة:

التحدي الدفاعي – مطاردة الظل السريع

5.1 صعوبات الاعتراض: لماذا هي معضلة؟
تعكس صعوبة اعتراض الصواريخ الفرط صوتية جوهر تفوقها التكنولوجي:

5.2 استراتيجيات المواجهة تحت التطوير:
تتركز الجهود الدفاعية على عدة محاور:

Exit mobile version