جمال جميل الثائر العراقي في اليمن

كتب: توفيق السامعي
جمال جميل ضابط وقائد عسكري عراقي، وهو القائد العسكري الحقيقي للثورة الدستورية على الإمام يحيى عام 1948.
وعين على أثرها قائد لقوات الأمن من قبل الإمام الجديد عبد الله الوزير، وساهم جمال جميل في الدفاع عن العاصمة صنعاء أثناء حصارها من قوات الإمام، ولكن لم يستطع الصمود لقلة الجيش وضعف الإمكانيات وقوة الطرف الآخر المدعوم من القبائل، مما أدى إلى فشل تلك الثورة.
ولد جمال جميل الجبوري ونشأ في مدينة الموصل شمال العراق، ودرس الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم التحق بالكلية الحربية في بغداد والتي كان اسمها المدرسة العسكرية الملكية وتخرج فيها، وتدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة نقيب.
تعين مرافقاً لرئيس أركان الجيش العراقي بكر صدقي، وشارك في الحركة التي تزعّمها بكر صدقي ضد رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد التي انتهت بمقتل بكر صدقي، واعتقال أتباعهِ والحكم عليهم بالإعدام، ومنهم جمال جميل، وتم إبعاده إلى اليمن كمدرب للجيش المظفري الإمامي.
لما عقدت المعاهدة اليمنية العراقية سنة 1930م، واتفق الجانبان على التعاون العسكري بينهما، أرسلت الحكومة العراقية أول بعثة عسكرية إلى اليمن، مكونة من أربعة أعضاء، وهم: العميد الركن إسماعيل صفوت رئيسًا، وعضوية كلٍّ من محمد المحاويلي، وعبدالقادر الكاظم، وجمال جميل الذي كان الغرض من إرساله إلى اليمن إبعاده عن الجيش العراقي، وقد وصلت هذه البعثة إلى اليمن يوم 25 فبراير 1939 برئاسة إسماعيل صفوت.
عمل من خلال موقعه على إدخال المدفعية في الجيش اليمني، وفتح دورات للضباط، وتحديث أساليب التدريب، حتى تشكّل فوج مدفعي نموذجي، كما عمل على زيادة مرتبات أفراد وضباط الجيش؛ محاولة منه للقضاء على ظاهرة الرشوة التي انتشرت في أوساط الجيش آنذاك.
من خلال عمله العسكرية في صنعاء في جيش الإمام حاول جميل جمال تنشئة الجيش وفق أسس عسكرية حديثة وعقيدة وطنية خالصة وبث بين العسكر الكثير من الأفكار التنويرية الوطنية مما جذب إليه الكثير منهم، ومن هنا بدأت مضايقته مقبل العسكريين الرجعيين للإمامة وبدأوا الوشاية به لدى الإمام.
ولما عادت البعثة العراقية من اليمن في عام 1943م إلى العراق ظل جمال جميل في اليمن خوفاً من حكم الإعدام السابق بحقه، وبقي معلماً ومدرباً لجيش الإمام في صنعاء، وأقام علاقات واسعة في المجتمع من حوله سواء داخل الجيش كشخصية من شخصيات اليمن، وكان له تأثيراً بالغاً داخل الأسر اليمنية والإمامية على السواء.
أسند إليه بعد عودة البعثة العراقية الإشراف على الجيش المظفر، وعلى الكلية الحربية، فأتاح له ذلك التعرف على العديد من الضباط والجنود اليمنيين، وبدأ يفتح أعينهم على الواقع المزري الذي تعيشه اليمن، وكان صريحًا في ذلك حتى في المجالس العامة والاحتفالات الرسمية ومنها وجه خطاباً للإمام أثناء استعراض عسكري يحث على الإصلاح مما لم يعجب الإمام واعتبر تلك النصائح قدحاً شخصياً له.
كان من أوائل الذين طالبوا بالإصلاحات داخل الجيش وبدأ يرتب الجيش ترتيباً حديثاً ويلقن العسكريين الأفكار الوطنية ويقارن وضعهم بوضع الجيوش الأخرى في المنطقة، ومن هنا كانت البذرات الأولى للتغيير في المؤسسة العسكرية التي جذبت إليه كثيراً من الضباط والعسكريين، ومن هنا بدأ بتكوين خلايا الضباط الأحرار وتعيين المسؤولين فيها وتقسيم وترتيب مهامها العسكرية والثورية وتكوين فروعها في تعز. وفي بداية عام 1948 رقى إلى رتبة عقيد وأصبح مستشار الجيش اليمني، وكان في نفس الوقت على صلة قوية بشباب الضباط الأحرار الذين تلقوا التعليم العسكري في الكلية الحربية في بغداد، وكذلك الضباط والعسكريين في صنعاء، وكان يعقد لقاءاته بالضباط الأحرار في بيت المشير عبدالله السلال، وحسين الكبسي، ويتم التخطيط والإعداد للثورة فيهما.
تعاون جمال جميل مع الفضيل الورتلاني الجزائري الذي حل ضيفاً على الحكومة في صنعاء، من خلال بث الأفكار التنويرية وإخراج اليمن من حالة التخلف والانغلاق، ومحاولة إصلاح الأسرة من داخلها، واتصال الورتلاني بالجمعية اليمانية الكبرى في عدن، ولقائه ولي العهد أحمد في تعز ونصحه بالإصلاح الدستوري، لكنهما وصلا إلى طريق مسدود مع الأسرة الإمامية، ومن هنا بدءا بالعمل على تغيير الأوضاع والتنظير والتخطيط للثورة في صنعاء وتعز، وكان يراسل ملك العراق ورئيس وزرائها لإنقاذ اليمن من ظلمات التخلف الإمامي.
قاد جمال جميل الانقلاب على الإمام يحيى، وقام الشيخ علي ناصر القردعي باغتيال الإمام يحيى بن حميد الدين في منطقة حزيز، وتم كشف وتسريب أسماء حكومة الانقلاب قبل نجاح المهمة، وتولى عبد الله الوزير الإمامة فيما عين جمال جميل وزيراً للدفاع والقائد العام للجيش اليمني، لكن ذلك لم يستمر سوى بضعة أشهر، حيث نجح ولي العهد الإمام أحمد في استعادة الحكم، والقبض على كل المشاركين في الانقلاب وعلى رأسهم الرئيس جمال جميل، وأصدر قراراً بإعدامهم جميعاً، وبسيفه الشخصي.
أعتقل جمال جميل لمدة سنة وثلاثة أشهر بعد الثورة وحكم عليه الإمام أحمد بالإعدام، ونفذ حكم الإعدام بالسيف، ودفن في صنعاء.
لم يستطع الإمام الجديد أحمد حميد الدين تنفيذ حكم الإعدام بحق جمال جميل إلا بعد موافقة رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد الذي بعث إليه الإمام رسالة يوافق فيها على تنفيذ حكم الإعدام بحقه، وأثناء تلاوة قرار الإعدام بحق الثائر جمال جميل صاح جمال جميل في وجه الإمام أحمد قائلاً له: “حبلناها وستلد”، وهو ما كان بعد ذلك حين استمر تنظيم الضباط الأحرار الذي كونه جمال جميل في العمل والتخطيط لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962.
