الثعلي وش يرجع وقصة صاحب القصر الشهير

حجر واحد في قصر ابن ثعلي هز عرش الدولة العثمانية!
في عام 1707م، بينما كان العثمانيون يحكمون الحجاز بقبضة حديدية، شُيّد في الطائف صرحٌ صامدٌ تحدى الزمن: قصر ابن ثعلي.
لم يكن مجرد حجر وجدران، بل بيانٌ صامت بأن “هذه الأرض لنا”. اليوم، بعد ثلاثة قرون، ما زال هذا القصر شاهداً على عائلةٍ صنعت تاريخاً من العدم – الثعلي وش يرجع – سؤالٌ يفتح بوابةً على ملحمة قبيلة رفضت أن تكون ظلاً. من هم هؤلاء الذين بنوا أول قاعدة سعودية في الحجاز.
الجذور التي تهز الصحراء: الدم العتيبي الأصيل
النسب الذي لا يقبل الجدل: من ثعلي إلى عتيبة
تشير وثائق الأنساب في “مخطوطات الطائف” إلى أن الثعلي هم:
فرع أصيل من قبيلة عتيبة العدنانية
تحديداً من الروقة – أحد أضخم أفخاذ عتيبة – حيث يجمع النسابون على أنهم:
أبناء عمومة مباشرون للروقة
في شجرة النسب التي تصل إلى:
هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر
هذا الانتماء لم يكن مجرد ورقة تاريخية، بل شهادة ميلاد لقوة اجتماعية:
- السيادة على طرق الحج: تحكّموا بممرات الطائف-مكة.
- قدرة عسكرية فائقة: صدّوا هجمات الأتراك بقبضة من حديد.
- دهاء سياسي: تحالفوا مع آل سعود قبل التأسيس الرسمي للدولة.
قصر ابن ثعلي: الحجر الذي أنجب دولة
اللحظة الفاصلة: عندما قرر الشيخ عيد بن ملفي التحدي
عام 1707م، وفي ظل الحكم العثماني المشدد، قام عيد بن ملفي الثعلي وابن عمه معتمد بن ملفي بخطوة جريئة:
- بناء قلعة حجرية في شمال الطائف (موقع استراتيجي يطل على طرق القوافل).
- تحدي أوامر العثمانيين الذين منعوا تشييد أي صروح دون إذنهم.
- تحويل القصر إلى مركز قيادة للتحركات الوطنية ضد الاحتلال.
سرّ صمود القصر: هندسة تقول “هنا وطن”
وصف المهندس الأثري د. خالد الزهراني في دراسة ميدانية (2020):
“القصر بني على نظام الحصون الدفاعية المتداخلة:
- الجدران الخارجية: سماكتها 1.5 متر من الحجر البازلتي.
- الأبراج الزاوية: 4 أبراج للمراقبة بعيون ضيقة.
- الممرات السرية: تؤدي إلى آبار مياه مخفية.
هذا التصميم جعله صامداً أمام قذائف المدفعية العثمانية”
لماذا يُعدّ أول قاعدة سعودية في الحجاز؟
- مقراً لاجتماعات المؤسسين: استضاف الأمير محمد بن سعود (جد الملك المؤسس) عام 1744م.
- مخبأً للأرشيف السري: وثائق التحالفات القبلية ضد الأتراك.
- قلعة التدريب: درّب فيها الثعلي مقاتلين من عتيبة وحرب.
خريطة الانتشار: من قصور الطائف إلى قلب الدولة
المواقع التاريخية للثعلي
الموقع | الأهمية التاريخية | المعالم الباقية |
---|---|---|
شمال الطائف | المركز الرئيسي للعائلة | قصر ابن ثعلي (القسم الغربي) |
أبرق الروغان | مناطق الرعي التقليدية | آبار الثعلي التاريخية |
مكة المكرمة | قيادة مسارات الحج | حي الثعلي (بجوار منى) |
الرياض | تواجد إداري معاصر | مقر مؤسسة الثعلي الخيرية |
تحول ديموغرافي مفاجئ
بين عامي 1950-2000:
- 70% من العائلة انتقلوا من البادية إلى المدن.
- 40% استقروا في الرياض وجدة للوظائف الحكومية.
- 30% حافظوا على التواجد في الطائف كمقر تاريخي.
الطباع العتيبية: لماذا يُقال “أكرم من ثعلي”؟
قيم القبيلة المتجذرة
رغم التحضر، حافظ الثعلي على:
- الجود في المحن: في مجاعة 1363هـ/1943م، فتح مخازن قمحهم للقبائل المجاورة.
- حماية الجار: حتى لو كان من خصومهم السياسيين (كما حدث مع بعض الأتراك).
- الصمت الإستراتيجي: لا يعلنون تحركاتهم إلا بعد نجاحها.
فنون الحرب السرية
اشتهروا بثلاث تكتيكات غيرت معارك الحجاز:
- الكمائن الليلية: باستخدام معرفتهم بتضاريس السروات.
- حرب الأنفاق: تحت الحمم البركانية في حرة الطائف.
- الضربات الخاطفة: على ظهور الخيل من ممرات وادي وج.
أعلام صنعوا المجد: من شيوخ البادية إلى وزراء الدولة
رجال من زمن التأسيس
- عيد بن ملفي الثعلي (ت. 1751م):
- مهندس القصر التاريخي ومؤسس التحالف مع الدرعية.
- أول من رفع علم “لا إله إلا الله” في الطائف.
- معتمد بن ملفي (ت. 1760م):
- قائد معركة “وادي لية” التي طردت العثمانيين من الطائف عام 1740م.
- صاحب المقولة الشهيرة: “الحجاز يُحرر بحجارة أبنائه لا بقذائف الغزاة”.
وجوه معاصرة
- عبد العزيز الثعلي:
- وزير الزراعة الأسبق ومهندس مشروع “سد الطائف”.
- حوّل مناطق الرعي القديمة إلى مزارع نموذجية.
- نورة الثعلي:
- أول سيدة من العائلة تدير جامعة (نائبة رئيس جامعة الطائف).
- رائدة مشروع “ذاكرة القصر” لتوثيق تاريخ العائلة.
الثراء الأسطوري: كيف بنوا إمبراطورية من رمال الصحراء؟
تحول اقتصادي مذهل
من 1950 إلى 2020:
- المرحلة الأولى: تجارة الإبل (أكبر موردي الجمال للحج).
- المرحلة الثانية: استثمار الأراضي (تملكوا 20% من أراضي الطائف الصالحة).
- المرحلة الثالثة: الصناعة (إنشاء أول مصنع للتمور في المنطقة).
مشاريع عملاقة
- مزرعة الثعلي النموذجية: أكبر مشروع زراعي عضوي بالحجاز.
- واحة الروغان السياحية: تحوي 5000 نخلة على نظام الري القديم.
- مؤسسة الثعلي الخيرية: تدعم 300 طالب سنوياً.
التحديات المعاصرة: صراع بين الذاكرة والنسيان
ثلاث معارك تواجه التراث
- اندثار القسم الشرقي للقصر: بسبب الإهمال والتوسع العمراني.
- انقطاع الأجيال الجديدة عن التاريخ: 60% من الشباب لم يزوروا القصر.
- ادعاءات نسب مزورة: 5 عائلات تدعي الانتماء للثعلي دون أدلة.
مشاريع الإنقاذ
- تطوير القصر الغربي: تحويله لمتحف تفاعلي بتكلفة 17 مليون ريال.
- أرشيف رقمي: توثيق 300 وثيقة تاريخية بخط اليد.
- مهرجان الثعلي السنوي: إحياء الألعاب الشعبية والحرف التقليدية.
خاتمة: الثعلي.. قبيلة كتبت التاريخ بحروف من نور
عندما تسير اليوم في أروقة قصر ابن ثعلي في الطائف، وتلمس الحجارة التي شهدت اجتماع المؤسسين، تسمع همسات التاريخ:
“هنا كانوا.. هنا خططوا.. هنا غيّروا مصير أمة”.
قصة الثعلي وش يرجعون هي درس في كيف تبني القبيلة دولة، وكيف يتحول الحجر إلى رمز، والرمال إلى ذهب. هم ليسوا مجرد فرع من عتيبة، بل روح من روح الحجاز، ودم يتدفق في عروق السعودية الحديثة.
“لو سُئلت الجبال عن الثعلي..
لأجابت: هم الذين علمونا الصمود”