الحويطات في بؤرة التاريخ والجغرافيا.. تداخل الأنساب وتجليات الحضور
يناقش هذا المقال اصل قبلة الحويطات ، وتُعد قبيلة الحويطات إحدى القبائل العربية البارزة التي امتد نفوذها وتواجدها عبر مناطق شاسعة من الشرق الأوسط، تشمل الأردن وشمال المملكة العربية السعودية وفلسطين وسيناء في جمهورية مصر العربية وصولًا إلى مملكة البحرين. وقد أثارت مكانة هذه القبيلة وتاريخها العريق اهتمام النسابين والمؤرخين، الذين تباينت آراؤهم في تحديد أصولها ونسبها. وبينما يرى فريق من المستشرقين أن للحويطات جذورًا تاريخية أقدم تمتد إلى الأنباط الذين حكموا طرق التجارة القديمة، تؤكد الروايات المتواترة داخل القبيلة انتسابها إلى الأشراف الحسينيين. هذا التباين في وجهات النظر يسلط الضوء على عمق وتداخل تاريخ هذه القبيلة وأهمية موقعها الاستراتيجي عبر العصور.
تعتبر عشائر الجازي والنجادات وأبو تايه بمثابة الركائز الأساسية التي قامت عليها البنية العشائرية للحويطات، وهي عشائر استقرت منذ أمد بعيد في جنوب الأردن، لتشكل بذلك مركز ثقل تاريخي واجتماعي للقبيلة في هذه المنطقة. إن استعراض تاريخ ونسب وتوزيع هذه القبيلة يفتح نافذة على جانب هام من تاريخ المنطقة وتكوينها الاجتماعي والقبلي.
جدلية النسب: قراءات تاريخية متباينة عن اصل قبيلة الحويطات
ظل نسب قبيلة الحويطات موضع نقاش واجتهاد بين المؤرخين والنسابين، حيث ظهرت عدة آراء تحاول تتبع جذور هذه القبيلة العربية العريقة:
1. الانتساب إلى جذام القحطانية: البعد الجغرافي والتوافق التاريخي
يرى فريق من النسابين والمؤرخين أن اصل قبيلة الحويطات تنتمي إلى جذام القحطانية. يستند هذا الرأي إلى الموقع التاريخي الذي استوطنته القبيلة في مناطق كانت تقليديًا ضمن نفوذ قبائل قحطان، بالإضافة إلى توافق بعض الأحداث التاريخية والروايات الشفهية مع هذا النسب. من بين المؤرخين والنسابين الذين تبنوا هذا الرأي العلامة الجزيري، والمؤرخ والباحث حمد الجاسر، والرحالة والمؤرخ عاتق البلادي. وقد استند هؤلاء في قولهم إلى الانتشار الجغرافي المبكر للحويطات في مناطق قريبة من تمركز قبائل جذام التاريخية، بالإضافة إلى بعض التشابهات في العادات والتقاليد القبلية.
2. الصلة بالأنباط: فرضية المستشرقين والجذور الحضارية القديمة
ذهب فريق من المستشرقين إلى أبعد من ذلك في تتبع اصل قبيلة الحويطات، حيث افترضوا وجود صلة تاريخية تربطهم بالأنباط، الحضارة العربية القديمة التي ازدهرت في المنطقة وسيطرت على طرق القوافل التجارية المتجهة إلى اليمن، والمعروفة بطريق التوابل القديم. كانت البتراء، عاصمة الأنباط الشهيرة، تقع على مسافة ليست بعيدة عن معان، وهي إحدى المناطق التي استقرت فيها الحويطات لاحقًا. يستند هذا الرأي إلى الوجود التاريخي للأنباط في المنطقة التي تتواجد بها الحويطات حاليًا، بالإضافة إلى بعض التشابهات التي يراها هؤلاء المستشرقون في بعض العادات والتقاليد أو حتى في بعض الملامح الجينية المحتملة. ومع ذلك، يظل هذا الرأي في إطار الفرضيات التي تحتاج إلى مزيد من الأدلة التاريخية والأثرية لدعمها بشكل قاطع.
3. الادعاء بالانتساب إلى الأشراف الحسينيين: رواية قبلية وتحديات التوثيق
تتبنى شريحة من أبناء قبيلة الحويطات رواية مفادها أن اصل قبيلة الحويطات تعود إلى الأشراف الحسينيين، أي أنهم من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. يستندون في هذا الادعاء إلى سلسلة أنساب طويلة تبدأ بحويط بن جماز بن هاشم وتنتهي بالإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب. تذكر هذه السلسلة أسماء لشخصيات تاريخية معروفة من الأشراف في الحجاز. ومع ذلك، يواجه هذا الادعاء تحديات في التوثيق التاريخي المستقل، وهناك من المؤرخين والنسابين من ينفي صحة هذا النسب، مشيرًا إلى عدم وجود أدلة قاطعة تدعم هذه السلسلة النسبية المتصلة.
4. الرأي بالانتساب إلى الترابيين: وجهة نظر أخرى في تحديد الأصول
ظهر رأي آخر يربط اصل قبيلة الحويطات بقبيلة الترابيين، وهي قبيلة أخرى ذات حضور تاريخي في المنطقة. لم يتم تفصيل الأدلة أو الحجج التي يستند إليها هذا الرأي في النص المقدم، ولكنه يشير إلى استمرار التباين في وجهات النظر حول نسب الحويطات.
الأهمية الاستراتيجية وتكريم الدولة العثمانية:
نظرًا للأهمية الاستراتيجية لمناطق تواجد قبيلة الحويطات وقوتها ونفوذها في المنطقة، قامت الحكومة العثمانية بتقدير دور رؤسائها ومنحتهم مرتبة الباشوية. كان هذا التكريم بمثابة اعتراف بقوتهم وقدرتهم على حماية قوافل الحجاج التي كانت تمر عبر مناطق نفوذهم، مما يعكس الدور الأمني والاجتماعي الهام الذي لعبته القبيلة في تلك الحقبة.
المنازل والديار: الانتشار الجغرافي لقبيلة الحويطات عبر التاريخ
توزعت منازل وديار قبيلة الحويطات على مساحة واسعة تمتد من تيماء شمال نجد جنوبًا وحتى الكرك شمالًا، ومن وادي السرحان والنفوذ الكبرى شرقًا إلى ساحل خليج العقبة وشبه جزيرة سيناء غربًا. يمكن تحديد مناطق تمركزهم بشكل أكثر تفصيلاً كالتالي:
- المملكة العربية السعودية: تبدأ ديار الحويطات على ساحل البحر الأحمر وتمتد داخليًا حتى جبال السروات، وتقع شرق ديار قبيلة بني عطية. تنتشر عشائر الحويطات على طول ساحل خليج العقبة من مدينة حقل وتمتد جنوبًا على شاطئ البحر الأحمر حتى مدينة الوجه.
- المملكة الأردنية الهاشمية: تقع منازل الحويطات في جنوب الأردن، بدءًا من جنوب قصر مشاش وجنوبي الكرك من جهة الغرب شمالًا وحتى المدورة جنوبًا، مرورًا بجنوب البحر الميت.
- فلسطين: تستقر بعض عشائر الحويطات حاليًا في قضاء طولكرم والخليل وبيت فجا.
- جمهورية مصر العربية: تتواجد تجمعات للحويطات في مناطق الإسماعيلية والشرقية والقليوبية وحلوان وحول القاهرة في البساتين وعين شمس وعزبة النخيل.
يوضح هذا الانتشار الجغرافي الواسع الدور التاريخي للقبيلة وتأثيرها في مناطق متعددة من الشرق الأوسط.
شجرة عشائر الحويطات
تتكون قبيلة الحويطات من عدة بطون وعشائر رئيسية تنحدر من خمسة أبناء لحويط، وهم: عمران، علوان، سويعد، عمرو، وسعيد. وقد تفرعت من هؤلاء الأبناء بطون وعشائر عديدة تشكل الهيكل الاجتماعي للقبيلة.
عشائر الحويطات في المملكة العربية السعودية:
تضم الحويطات في المملكة العربية السعودية عدة عشائر رئيسية، منها:
- الريشة: سموا على اسم جدهم ريشان بن سويعد بن حويط، وتتفرع منهم خمس عشائر رئيسية هي: الطقيقات (بفروعها المتعددة)، الجواهرة (بفروعها)، المشاهير (بفروعها)، الذيابين (بفروعها)، والرقابية (بفروعها).
- العمران: سموا على اسم جدهم عمران بن حويط، وينقسمون إلى عدة عشائر منها: الحميدات (بفروعها)، أولاد بسام بن عمران (بفروعهم)، أولاد غازي بن عمران (بفرعيه الربعيين والسيايحة وفروعهما)، العبادلة (بفروعهم)، الدبور (بفروعهم)، والزملة.
- عيال عمرو بن حويط: يعتقد البعض بأن أغلبهم من أولاد سويعد، وتشمل عشائر الجرافين (بفروعهم)، الموسة (بفروعهم)، الزماهرة (بفروعهم)، القرعان (بفروعهم)، الفحامين (بفروعهم)، الغنامين (بفروعهم)، العميرات (بفروعهم)، السلالمة (بفروعهم)، السلميين (بفروعهم)، العبيات (بفروعهم)، والسريعين (بفروعهم).
يوفر هذا الهيكل العشائري نظرة على التنظيم الاجتماعي الداخلي لقبيلة الحويطات وتفرعاتها الرئيسية في المملكة العربية السعودية.
خاتمة: الحويطات.. إرث من التاريخ والجغرافيا والتكوين الاجتماعي المتشابك
في الختام، يتبين أن قبيلة الحويطات تمثل نموذجًا للقبائل العربية التي لعبت دورًا هامًا في تاريخ وجغرافيا منطقة الشرق الأوسط. يظل نسب القبيلة موضع بحث ونقاش بين المؤرخين والنسابين، مع وجود آراء متعددة تتراوح بين الانتساب إلى جذام القحطانية، والصلة المحتملة بالأنباط، والادعاء بالانتساب إلى الأشراف الحسينيين، بالإضافة إلى آراء أخرى.
وقد ساهم موقع القبيلة الاستراتيجي وانتشارها الواسع في مناطق حيوية في تعزيز أهميتها التاريخية والاجتماعية، وهو ما تجلى في تقدير الدولة العثمانية لدور رؤسائها. إن استعراض منازل وديار القبيلة وشجرتها العشائرية يكشف عن عمق تكوينها الاجتماعي وتفرعاتها الممتدة عبر مناطق جغرافية متنوعة.
يبقى فهم تاريخ ونسب وتكوين قبيلة الحويطات ضروريًا لفهم أعمق لتاريخ المنطقة وتراثها الاجتماعي والقبلي، ويستدعي المزيد من البحث والتدقيق لتقديم صورة أكثر شمولية ووضوحًا حول هذه القبيلة العربية العريقة.
مواضيع ذات صلة:
