استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه

سؤال القلق والإستوداع
يعد دعاء استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه هو دعاء مؤكد وله أثر في السنة النبوية، وقد يطرأ على قلب المسلم في أوقات القلق والخوف على نفسه أو أهله أو دينه أو مستقبله، سؤالٌ ملحّ: هل يجوز أن يلجأ إلى الله بدعاء مثل: “يا الله، إني أستودعك نفسي، وقلبي، وديني، ووالدي، وأهلي، وخواتيم أعمالي، وأموالي”؟ هذا الدعاء الذي يعبر عن تفويض الأمر كله لله، والاستعانة به لحفظ ما يهم العبد ويخشى عليه. الفتوى الشرعية تؤكد جواز هذا الدعاء وعدم وجود مانع منه، لأنه:
- ليس فيه إثم: لا يتضمن معصية أو محظورًا شرعيًا.
- ليس فيه اعتداء: لا يتعدى على حق الله أو حقوق العباد.
- مضمونه توكل وتسليم: يعبر عن صدق التوكل على الله والتفويض له.
- مستند لمعنى شرعي أصيل: فكرة الاستوداع والتفويض لله ثابتة في الكتاب والسنة.
أصل الاستوداع في الشرع: تفويض الأمر للوكيل الأمين
نفسر هنا معنى استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه ، معنى “استودعتك” أي جعلتك وكيلًا وضامنًا لحفظ ما أودعته عندك. والله تعالى هو خير الوديعة وخير الحافظين:
- في القرآن: “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ” (البقرة: 143) – أي صلاتكم تجاه بيت المقدس قبل تحويل القبلة. والمعنى أن الله لا يضيع عملًا خالصًا لوجهه.
- في السنة: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللهَ إذا استُودِعَ شيئًا حَفِظَهُ”. (رواه الترمذي وحسنه الألباني). هذا الحديث هو العمود الفقري لفضل هذا الدعاء ومعناه.
- سنة نبوية عملية: عن قزعة قال: قال لي ابن عمر: “هَلُمَّ أُوَدِّعْك كما ودَّعَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “أستودِعُ اللهَ دِينَك وأمانتَك وخَواتيمَ عمَلِك”. (رواه أبو داود وصححه الألباني). هذه الصيغة النبوية هي أصل لما يتناقله الناس.
مواضيع ذات صلة: دعاء السفر مكتوب كامل
جوهر الدعاء: استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه
عندما يقول المسلم استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه ، فهو يعلن:
- التفويض الكامل: تخليته عن الاعتماد على نفسه وقدرته.
- التبرؤ من الحول والقوة: إدراكه أن الحفظ الحقيقي بيد الله وحده.
- رفض الأسباب وحدها: ليس معناه ترك الأسباب (كالحراسة للأموال، والعناية بالصحة)، بل الأخذ بها مع استحضار معنى الاستعانة بالله والثقة في حفظه فوق كل سبب.
- السكينة والطمأنينة: ثمرة هذا التوكل هي طمأنينة القلب بأن ما استودعه عند الله هو في أيد أمينة لا تضيع.
صيغ دعاء الاستوداع المشروعة والمأثورة:
- الصيغة النبوية المباشرة:
- “أستودِعُ اللهَ دِينَك وأمانتَك وخَواتيمَ عمَلِك”.
- “أسْتَودِعُك اللهَ الَّذي لا تضيعُ وَدائعُه”. (دعاء للمقيم للمسافر، ويمكن عكسه).
- توسيع في معانيها (بدون مخالفة شرعية):
- “اللهم إني أستودعك نفسي، وقلبي، وديني، وأهلي، وولدي، وأموالي، وخواتيم عملي، فاحفظنا بحفظك يا خير الحافظين”.
- “يا الله، إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وديني ودنياي وآخرتي، أنت الذي لا تضيع ودائعك”.
- دعاء الاستوداع للحبيب (الزوج/الزوجة/الأبناء):
- “اللهم إني استودعتك من أحببت، وأنت الذي لا تضيع ودائعه، فاحفظه يا الله”.
- “اللهم إني استودعتك فلانًا (باسمه) فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، واقذف في قلبه الطمأنينة”.
- “اللهم إني استودعتك قلبي وأهلي، فلا تكلهم إليَّ طرفة عين، واحفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين”.
فضائل وأثر دعاء الاستوداع استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه
- حصن منيع: يشعر المسلم بالتحصين والوقاية من المكاره بفضل الله.
- تفويض حقيقي: يريح القلب من هموم الحفظ والتحكم التي لا قدرة له عليها.
- تعظيم لله: إقرار بأن الله هو الحفيظ الرقيب القادر وحده على الحفظ التام.
- طمأنينة القلب: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد: 28).
- تحقيق التوكل: هو تجسيد عملي لقول الله تعالى: “وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (المائدة: 23).
- مواساة للمضطر: في لحظات الخوف الشديد (كالسفر، المرض، الخطر) يكون هذا الدعاء ملجأ ومواساة.
آداب الدعاء عامة ودعاء الاستوداع خاصة:
- الإخلاص: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله تعالى.
- اليقين بالإجابة: الثقة بأن الله سيسمع ويستجيب بما هو خير.
- حضور القلب: عدم التلفظ بالكلمات فقط، بل استشعار معنى التفويض والتسليم.
- اختيار الأوقات والأحوال الفاضلة: (بعد الصلوات، في السجود، الثلث الأخير من الليل، عند نزول المطر…).
- عدم الاعتداء في الدعاء: مثل الدعاء بقطيعة رحم، أو بضرر على أحد ظلمًا، أو الدعاء بالمستحيلات.
- الأخذ بالأسباب: لا ينافي التوكل. فاستوداع المال لا يعني تركه في الطريق، واستوداع الصحة لا يعني إهمال العلاج.
تطبيقات عملية في مواقف الحياة:
- عند السفر:
- يقول المسافر: “اللهم إني أستودعك ديني ونفسي وأهلي ومالي، أنت الذي لا تضيع ودائعك”.
- يودعه أهله: “أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك”.
- عند النوم:
- “اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. اللهم إني استودعتك روحي وجسدي وأهلي ومالي، فاحفظنا يا حفيظ”.
- عند الخوف على الأبناء (الخروج للمدرسة/السفر):
- “اللهم إني استودعتك فلانًا وفلانًا، فاحفظهم بحفظك، وكن لهم ولا تكلهم إليَّ، وارزقهم التوفيق والصلاح”.
- عند القلق على الدين والقلب:
- “اللهم إني أستودعك قلبي فاجعله عامرًا بتقواك، وأستودعك ديني فثبته على الحق حتى الممات”.
- عند الخوف من الحسد أو السحر:
- مع دعاء الاستوداع: “اللهم احفظني وأهلي ومالي وديني بحفظك الذي لا يضيع، واصرف عنا كيد الحاسدين والساحرين إنك أنت القوي العزيز”. (مع التمسك بالأذكار الشرعية كآية الكرسي والمعوذات).
أدعية للحفظ والاستوداع
- أدعية تحصين عامة:
- “اللهم أنعِم علينا بالخير والبركة… يا ذا الجلال والإكرام…”
- “يا مالك السماوات والأرض… نعوذ بك من كيد الساحرين…”
- “يا الله يا واسع الرحمة… أن تنزل على قلوبنا السكينة…”
- “يا الله يا واحد يا أحد… نجِّنا من كيد الحاقدين…”
- “اللهم إني أسألك أن ترد كيد الحاسد في نحره…”
- أدعية استوداع للحبيب/الزوج/القريب:
- “اللهم إني استودعتك من أحببت… فإحفظه يا الله…”
- “استودعتك يا الله كل شيء أحبه… فإن الأشياء المستودعة عندك لا تضيع”
- “اللهم إني استودعتك قلبًا… استودعتك إياه في نهاره وليله…”
- “ربي احفظ لي حبيبي فهو أجمل عطاياك…”
- “اللهم إني أحبه حبًا يجهله هو وتعلمه أنت…”
- “اللهم إني استودعتك حبيبي فلا تريني فيه مكروهًا…”
- أدعية للتوفيق للحبيب/الزوج:
- “اللهم وفق حبيبي… اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا…”
- “اللهم إني أسألك لحبيبي توفيقًا يلازم خطاه…”
- “اللهم أسألك ألا يضيع له تعب ولا ينهدم له حلم…”
- أدعية للتحابب والصلاح بين الزوجين:
- “اللهم يا مؤلف القلوب ألّف بين قلبي وقلب زوجي…”
- “اللهم أظهر محاسني لزوجي وأظهر محاسنه لي…”
- “اللهم اجعلني قرة عين لزوجي واجعله قرة عين لي…”
- “اللهم اجعل بيننا من المودة والرحمة أفضلها…”
- “اللهم حصّني وزوجي بحصنك الحصين…”
- “اللهم إني استودعتك قلب زوجي وبصره… فاحفظهما لي…”
الخاتمة: الاستوداع تفويض وسكينة
دعاء ” استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه ” هو سلاح المؤمن عند الخوف والقلق، وترجمة عملية لمعنى التوكل على الله. هو ليس كلمات تردد فحسب، بل هو حالة قلبية من التفويض والتسليم لله تعالى، مع اليقين بحفظه ورعايته. لا حرج على المسلم في توسيع ما يستودعه الله تعالى في هذا الدعاء – بنفسه، دينه، قلبه، أهله، ماله، أعماله، مستقبله – ما دام يلتزم بآداب الدعاء، ويأخذ بالأسباب، ويبتعد عن الاعتداء أو صيغ الدعاء المخالفة للشرع. فالله تعالى هو خير مستودع وخير حافظ، وهو الذي لا تضيع عنده الودائع. “وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”.
ملاحظة: الأدعية المذكورة هي لأغراض الاسترشاد والتنويع في التعبير عن معاني الحفظ والاستوداع. الأفضل للمسلم أن يلتزم بالصيغ الواردة في الكتاب والسنة أو ما كان قريبًا منها وجاءت به الفتوى بجوازه، مع صدق التوجه إلى الله تعالى.