القبائل العربية

أفخاذ عشيرة الطائي : إرث عريق وتوزع جغرافي واسع

تُعدّ قبيلة طيء واحدة من أعرق وأكبر القبائل العربية في التاريخ، فهي ليست مجرد قبيلة، بل هي شعبٌ من الشعوب تفرعت منها قبائل وعشائر لا تُحصى عبر العصور، حاملةً معها إرثًا ثقافيًا وتاريخيًا غنيًا يمتد إلى ما قبل الإسلام. اشتهرت طيء بفرسانها وشعرائها وكرم رجالها، مثل حاتم الطائي، وبقادتها الشجعان أمثال عدي بن حاتم الطائي. شاركت القبيلة في معارك فاصلة قبل الإسلام وبعده، ووقفت شامخة في وجه الغزاة كالمغول والفرس، لتُسجل اسمها بحروف من نور في صفحات المجد العربي. إن الحديث عن أفخاذ عشيرة الطائي هو غوص في عمق هذا التاريخ العظيم، واستعراض لتوزعها الجغرافي الواسع الذي طال الحجاز والشام والعراق ومصر وغيرها من البلاد العربية.

جذور طيء وتاريخها الأول: من اليمن إلى جبال أجا وسلمى

يعود نسب قبيلة طيء إلى قحطان، أصل العرب القحطانية، فهم ذرية طيء (واسمه جلهمة) بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. كانت منازلهم الأولى في اليمن، ولكن بعد حادثة “سيل العرم” الشهيرة، نزحت القبيلة شمالًا، تاركةً وراءها موطنها الأصلي.

يصف الشاعر دَغفَلُ الشيبانيُّ هذه الهجرة قائلًا: «سار جابر وحرملة أبناء أدد بن الهميسع بن عمرو بن عريب بن عمرو بن الأزد ومعهما ابن أخيهما طيء، وكان اسمه جلهمة، فأقاموا فيما بين تهامة واليمن، ووقع بين طيء وعميه ملاحاة، ففارقهم، وسار نحو الحجاز ثم سار إلى جبل طيء». يؤكد القلقشنديُّ هذا الرواية في كتابه “نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب”، مضيفًا أنهم نزلوا في سميراء وفيد في جوار بني أسد، ثم استطاعوا أن يغلبوهم على أجا وسلمى، وهما جبلان أصبحا يُعرفان فيما بعد بـ “جيلي طيء” أو “جبل شمر” حاليًا، واستقروا بهما.

في الجاهلية، كانت قبيلة طيء محاطة بالعديد من القبائل العربية الأخرى؛ فمن الشمال كانت تحدّهم بنو كلب، ومن الشرق والجنوب بنو أسد، ومن الغرب بنو غطفان. وقد انتشرت فروع طيء في أول الإسلام مع الفتوحات الإسلامية، لتُصبح قبيلة ذات شأن كبير في بلاد الشام والعراق ومصر. يقول ابن سعيد المغربي: «ومنهم في بلادهم الآن أمم كثيرة تملأ السهل والجبل حجازًا وشامًا وعراقًا». وقد اشتهرت طيء في العصر الجاهلي لدرجة أن السريان والفرس كانوا يطلقون اسم “طيء” على جميع العرب.

أفخاذ عشيرة الطائي الرئيسية: شمر، زبيد، ولام

تتفرع عشيرة طيء إلى العديد من الأفخاذ والبطون التي امتدت عبر الجزيرة العربية وباديتي العراق والشام، وما زالت تنتشر حتى يومنا هذا في مختلف الدول العربية. تُعدّ هذه الأفخاذ الدعامة الأساسية التي تُشكل النسيج القبلي المعقد لطَيء. من أبرز هذه الأفخاذ التي برزت تاريخيًا وحافظت على كيانها وتوزعها:

1. قبيلة شمر: أكبر أفخاذ طيء وأكثرها انتشارًا

تُعتبر قبيلة شمر اليوم أكبر قبائل طيء على الإطلاق، وتشكل النواة الكبرى التي ينضوي تحتها معظم الطائيين في شمال الجزيرة العربية والعراق والشام. يعود نسب شمر إلى: شمر بن عبد بن جذيمة بن زهير بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ.

تتفرع قبيلة شمر بحد ذاتها إلى عدد كبير من البطون والأفخاذ، وقد أصبحت بمثابة قبيلة مستقلة بكيانها، ولكنها لا تزال تحتفظ بأصولها الطائية. ومن أهم هذه البطون التي تُشكل جزءًا من قبيلة شمر اليوم:

  • بنو قيس بن شمر: يُقال إنهم أبناء عبدة زوجة قيس بن شمر، وهم اليوم ضمن فروع قبيلة شمر الكبرى.
  • بنو الأسلم: وهم أسلم بن جوين بن عمرو بن حرمز بن مخضب بن حرمز بن لبيد بن سنبس بن معاوية بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ. يُعدون اليوم من أهم فروع قبيلة شمر.
  • قبيلة زوبع: يُقال إنهم بنو زوبع بن محمد بن الحارث شريف طيئ، وهم اليوم ضمن فروع قبيلة شمر، مما يؤكد على الاندماج الكبير بين أفخاذ طيء تحت مظلة شمر.

2. قبيلة زبيد: الامتداد الجنوبي والشرقي لطَيء

تُعدّ قبيلة زبيد من أفخاذ عشيرة الطائي ذات الانتشار الواسع، ويعود نسبها إلى: زبيد بن معن بن عمرو بن عنيز بن سلامان بن عمرو بن الغوث بن فطرة بن طيئ. تنتشر زبيد في مناطق مختلفة من الجزيرة العربية والعراق، ولها حضور كبير في العديد من المحافظات العراقية، مما يدل على اتساع رقعة نفوذ طيء التاريخية.

3. قبيلة لام: عراقة وأصالة في قلب طَيء

تُعتبر قبيلة لام من أفخاذ عشيرة الطائي الأصيلة والعريقة، ويعود نسبها إلى: لام بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ. برز من هذا الفخذ الشاعر المعروف أوس بن حارثة الطائي. تُشكل بنو لام اليوم تجمعًا كبيرًا يضم العديد من العشائر مثل الفضول والكثير والمغيرة، مما يدل على استمرارية وجودها وتفرعها.

4. قبيلة جرم: حضور تاريخي راسخ

تُعدّ قبيلة جرم من أفخاذ عشيرة الطائي المعروفة، ويعود نسبها إلى: جرم بن عمرو بن الغوث بن طيئ. وقد لعبت هذه القبيلة دورًا في تاريخ طيء، ولها فروع وبطون منتشرة.

أفخاذ أخرى بارزة من عشيرة الطائي

بالإضافة إلى الأفخاذ الرئيسية المذكورة، تتفرع طيء إلى العديد من البطون والعشائر الأخرى التي لها وجود تاريخي وجغرافي ممتد. هذه الأفخاذ تُساهم في إثراء النسيج القبلي لطَيء، وتُبرز مدى اتساع وتنوع هذه القبيلة العريقة. من هذه الأفخاذ:

5. بنو أحمد: امتداد طائي في العراق

يعود نسبهم إلى: بنو أحمد بن الحارث بن ثمامة بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ. يتواجدون حاليًا في الموصل بالعراق، مما يدل على استقرار بعض فروع طيء في مناطق محددة منذ القدم.

6. بنو نبهان: الفرسان والأبطال

هم بنو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيئ. برز منهم الصحابي الجليل زيد الخير الطائي، الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “ما وصف لي أحد في الجاهلية رأيته في الاسلام إلا رأيته دون وصفه غيرك”، في إشارة إلى شجاعته وكرمه.

7. الأجود بن غزية: انتشار في العراق

هم بنو غزية بن أفلت بن ثعل بن عمرو بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ. يتواجدون بشكل رئيسي في العراق، ويُعدون من الأفخاذ التي حافظت على اسمها وكيانها.

8. بنو بولان: أحد الأفخاذ الأصيلة

هم بنو بولان بن عمرو بن الغوث بن طيئ. يُمثلون أحد الفروع الأصلية لقبيلة طيء، ولهم وجود تاريخي ضمن العشيرة.

9. بنو سنبس: وجود في العراق ومصر

هم بنو سنبس بن معاوية بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ. يتواجدون في العراق، ويُقال إن بعضًا منهم يتواجد في مصر، مما يدل على انتشار بعض أفخاذ عشيرة الطائي في شمال أفريقيا.

10. بنو سدوس: فرسان العرب

هم بنو سدوس بن أصمع بن أبي بن ربيعة بن نصر بن سعد بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيئ. برز منهم الأسد الرهيص، قاتل عنترة بن شداد، مما يدل على شجاعة فرسان هذا الفخذ.

11. بني حجيم: حلف قبلي ذو أصول طائية

بنو حجيم هو حلف بين قبائل قحطانية وعدنانية، ولكن الأغلبية العظمى من هذه القبائل تعود في أصولها إلى قبيلة شمر الطائية، مما يُسلط الضوء على تأثير طيء وأفخاذها في تشكيل التحالفات القبلية في المنطقة.

تصنيف أفخاذ عشيرة الطائي: الحفاظ على الاسم والاستقلال بالكيان

بالنظر إلى التوزع الواسع والتفرعات الكثيرة لقبيلة طيء، يمكن تقسيم أفخاذ عشيرة الطائي إلى فئتين رئيسيتين:

أولاً: القبائل الطائية التي حافظت على مسمى طيء الأصلي وتحمل اللقب (الطائي)

تُظهر هذه الفئة من الأفخاذ تمسكًا شديدًا بالنسب الأصيل، وما زالت تُعرف بلقب “الطائي” حتى يومنا هذا، مما يُبرز استمراريتها وارتباطها الوثيق بالأصل الجامع. من أبرز هذه الأفخاذ وعشائرها:

  • قبائل سنبس: وتضم العديد من العشائر مثل قبيلة اليسار، البو عامر، المسارة، بنو لام (فقدت اسمها “الطائي” في الغالب وأصبحت تُعرف بـ “بنو لام” لكنها في الأصل من سنبس)، العراعرة، وعشائر أخرى مثل الضريس، الهيثم، إرشيد، المدللين، المعين، البغادة، الجوالة، الراشد، الدبات، البو عيثة، الرواجح، الكطيمات، المراشدة، البو شري، الحريث، البو محي، والبو جواري.
  • عشائر وقبائل أخرى خارج خط سنبس محافظة على اسم طيء القديم: وتشمل عشيرة العساف (أمراء طي في العراق والوطن العربي من سلالة آل ربيعة الطائية)، السواكن، قبيلة بولان، قبيلة نبهان، عشيرة بني فرير، عشيرة آل حفاظ، عشيرة النعيرات، عشيرة المساعرة، عشيرة العلنجة، عشيرة آل شدود، عشيرة العليات، وعشيرة البو كلل.

ثانياً: القبائل والعشائر الطائية التي استقلت بمسمياتها منذ زمن بعيد

هذه الفئة من الأفخاذ حافظت على أصولها الطائية، ولكنها اتخذت أسماء خاصة بها مع مرور الزمن، وأصبحت تُعرف بهذه الأسماء المستقلة. ومع ذلك، فإن ارتباطها الوثيق بـ طيء لا يزال حاضرًا في الذاكرة الجمعية وتواريخ الأنساب. من أبرز هذه القبائل والعشائر:

  • قبيلة شمر: وهي كما ذكرنا أكبر أفخاذ عشيرة الطائي اليوم.
  • قبيلة بني لام: على الرغم من أنها ذكرت ضمن قبائل سنبس، إلا أنها تُعد أيضًا قبيلة مستقلة بكيانها اليوم.
  • قبيلة البيات.
  • قبيلة بني صخر.
  • قبيلة السرحان.
  • قبيلة الموالي.
  • قبيلة الفضول: وتُعدّ جزءًا من تجمعات بني لام.
  • قبيلة الخزاعل.
  • قبيلة غزية.
  • قبيلة بني طرف.
  • قبيلة البو عيسى.

نخوة طيء: “معن” رمز الوحدة والانتماء

على الرغم من هذا التنوع الهائل في أفخاذ عشيرة الطائي وتوزعها الجغرافي الواسع، إلا أن هناك رابطًا قويًا يجمعها جميعًا: نخوة قبيلة طيء العامة هي “معن”. هذه النخوة تُشكل رمزًا للوحدة والانتماء، وتُذكر أبناء طيء بأصولهم المشتركة، وتُعزز لديهم روح العشيرة والترابط الأخوي. إنها دعوة للتكاتف والتآزر في الشدائد، وتأكيد على أنهم جميعًا ينتمون إلى جذر واحد عريق، بغض النظر عن تفرعاتهم واختلاف مسمياتهم الحالية.

طيء اليوم: امتداد تاريخي وحضور معاصر

اليوم، تُشكل طيء إحدى أكبر القبائل العربية انتشارًا، حيث تنتشر فروعها في الحجاز والشام والعراق وعربستان والبحرين والكويت ومصر وغيرها. هذا الانتشار الواسع هو شهادة على حيوية هذه القبيلة وقدرتها على التكيف والبقاء عبر العصور. إن أبناء طيء اليوم، من خلال أفخاذ عشيرة الطائي المتعددة، ما زالوا يُحافظون على الكثير من عادات وتقاليد أجدادهم، ويُسهمون بفاعلية في مجتمعاتهم.

إن دراسة أفخاذ عشيرة الطائي ليست مجرد استعراض لأنساب وتواريخ جافة، بل هي نافذة على فهم عمق الثقافة العربية وتطورها، وعلى كيفية تشكل القبائل وتفرعها، وكيف يُمكن لقبيلة واحدة أن تترك بصمة واضحة على خريطة المنطقة وتاريخها. فطيء ليست مجرد اسم، بل هي تاريخ حي، ومجد متجدد، وإرث يمتد عبر الأجيال.

مواضيع ذات صلة:

قبيلة العجمان قبائل الدواسرالعبدلي وش يرجع 
غامد الهيلا قبيلة عتيبة قبائل نجد 
رمز قبيلة غامد قبيلة العجمينسب قبيلة حرب 
قبيلة غامد انسابها وديارهافخوذ قبيلة جهينة نسب قبيلة جهينة 
الحراجين وش يرجعون المطرفي وش يرجع قبيلة بلقرن 
قبيلة الغياثي قبيلة بني مهدي قبيلة يام الهمدانية
الجرفالي وش يرجعقبيلة هذيلاكبر قبائل الجنوب
قبيلة بني مالك قسرقبيلة شهرانالبقوم وش يرجعون
قبيلة اكلب وش ترجعشجرة قبيلة الاشراف كاملةقبيلة بلي نسبها وفروعها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock