أفخاذ الرولة : أسرار قبيلة عنزة الأكثر أسطورية
ملحمة البدو الذين حكموا الصحراء من الجوف إلى دمشق

في قلب النقاش حول عمالقة القبائل العربية، تبرز أفخاذ الرولة كحكاية أسطورية نابضة بالحياة. ليست مجرد تفرعات قبلية، بل هي إمبراطورية رحل حكمت مساحات شاسعة من شمال الجزيرة العربية، من واحات الجوف ووادي السرحان شمالاً، حتى تخوم القصيم جنوباً، وصولاً إلى مشارف دمشق شمالاً. هذه القبيلة المحاربة، التي أذهلت الرحالة والمستكشفين بفروسيتها وقدرتها على البقاء في الصحراء الموحشة، تنتمي إلى صُلب قبيلة عنزة العظيمة، وتحديداً إلى ضنا مسلم من بكر بن وائل. إن الحديث عن أفخاذ الرولة هو حديث عن تاريخ حي، ونسيج اجتماعي معقد، وقوة سياسية واجتماعية لا يزال صداها يتردد في المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا. هذا البحث الشامل يكشف النقاب عن شجرة نسبهم الممتدة جذورها إلى نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، ويسبر أغوار تفرعاتهم الدقيقة، وشخصياتهم المؤثرة، وأمجادهم التي سطعت في سماء الصحراء.
الرولة وش يرجعون
قبل الخوض في تفاصيل أفخاذ الرولة، لا بد من فهم مكانتهم الفريدة داخل كيان قبائل عنزة. لطالما أثار اسم “الرولة” جدلاً، فالبعض – لشهرتهم الهائلة وكثرة عددهم – يظنهم قبيلة منفصلة. لكن الحقيقة التاريخية والنسَبية الثابتة تؤكد أنهم فرع عظيم من فروع الجلاس من ضنا مسلم من عنزة. التسمية نفسها تحمل دلالة دقيقة: “الرولة” مشتقة من “التراول” أي كثرة الترحال والسير، وهي صفة لازمتهم لقرون كبدو رحل. نخوتهم العامة “العليا” تجسد روح الوحدة، وشيخهم العام تاريخياً هو ابن شعلان، المنحدر من فخذ المرعض. رغم استقرار معظمهم الآن في حياة حضرية أو نصف حضرية في السعودية والأردن وسوريا، إلا أن روح البداوة والفروسية لا تزال متجذرة في وعيهم الجماعي، مدعومة بسجل حافل من البطولات، أبرزها مشاركتهم الفاعلة بقيادة نوري بن هزاع الشعلان في الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين.
شجرة قبيلة الرولة
تنقسم قبيلة الرولة الكبرى إلى خمسة بطون رئيسية (أفخاذ كبرى)، شكلت كل منها عالمًا قائمًا بذاته ضمن الإطار الجامع للقبيلة:
- بطن المرعض: قمة الهرم القيادي والسياسي
- الفخذ الحاكم: يحمل بطن المرعض حالياً راية مشيخة الرولة العامة في عائلة الشعلان العريقة، ويتزعمهم الشيخ الأمير نواف بن فواز بن نواف بن النوري النايف الغرير الشعلان. نخوتهم الخاصة “البنية”، ووسمهم “باب على مدى الرقبة”.
- التقسيم الداخلي: ينقسم المرعض بدورهم إلى ثلاثة أفخاذ رئيسية:
- الجبران: وفيهم مشيخة المرعض (الشيخ فايز بن مساعد البنية). وتتفرع الجبران إلى: المحمد (الشعلان) (وسمهم الرديني)، النواصرة (كبيرهم المجارمي وابن عبطان)، القطاعا، الحمودية. ومن الشعلان تتفرع الغرير (وفيهم رئاسة القبيلة عبر المنيف)، الروضان، الفنيخ، الجابر، الدقية، السالم (السبتة)، السلمان. والغرير يتفرعون إلى المنيف (وفيهم الرئاسة: النايف، الزيد “الأذان”، المجول)، المعبهل، العبهول، العشيران “البنية”، الحسن “الهنيدي”.
- العلمة (الحسن): نخوتهم “العوجان”. وتشمل الخمسي (المدهم، الذويخ، الرشدة) والحمد (السعيد، السالم، الشقرا، الخويلدة). وهم فخذ عريق بكثرة عددهم وأمجادهم.
- النصير: أكثر بطون المرعض عدداً، نخوتهم “عوجان”، وسمهم “الجرفة والشلقة”، وشيخهم ابن قاعد (أو ابن نصير نسبة للجد). وهم يُلقبون بـ”متعصية بالسيوف” دلالة على شجاعتهم. يقسم النصير إلى: النُّصَير (بفتح الصاد: النصير، الخلف، الزوايدة، الجريف، المسعد، السالم، العشيران)، النُّصِير (بكسر الصاد: الربيعان، الطارف، الرشيد، العبيد)، الكبوش، الفججة. وتفصيلات فروعهم غاية في الدقة والكثرة.
- بطن القعاقعة: تاريخ المشيخة وأهل الخيل الشهب
- عراقة القيادة: حمل القعاقعة لواء مشيخة الرولة قبل انتقالها إلى المرعض. عُرفوا بـ”أهل الخيل الشهب” لمهارتهم الفائقة في الفروسية وتربية الخيول الأصيلة، ومن أشهر شيوخهم التاريخيين الشيخ القعقاع.
- التفرع: ينقسمون إلى أربعة أفخاذ:
- المانع: ويتفرعون إلى عيبان (الروضان، الدويرج، الرشيدان) وعلي (المصطفقة). نخوتهم “أولاد مانع”.
- الغشوم (الدلمة): شيخهم ابن غشم، ويُلقبون “الشيوخ”. نخوتهم “ولد الدلمي”. ويتفرعون إلى الغشم (الداحس)، الضرمية، السعد، الدويبان، الفرارا، الشقرية.
- الحماميد: شيخهم الحمادي، نخوتهم “الحرشا”. فروعهم: العجل (الضايم)، المخمر (الرشوان)، الفيصل، الضيغم، المعيوف، الشعابا، الشوباش.
- الربشان: شيخهم ابن حنيان، نخوتهم “الهدلا”. فروعهم: النصار (الجمعة، الجرذي، الكوته، السليم)، الجدوع (الوقيت، المحيسن)، العطية (المعارة). لكل فرع مشائخه المعروفين كابن عوينان للجمعة وابن نحيت للوقيت وابن مطارح للعطية.
- بطن الدغمان: النسيج المتين والوسوم المميزة
- التماسك الاجتماعي: يتميز الدغمان بوحدة نسيجهم الاجتماعي. شيخهم العام هو ابن دغمي، ونخوتهم العليا خاصة بهم.
- الفروع الرئيسية: ينقسمون إلى:
- الصوالحة: ويتفرعون إلى السالم والوابل، ومنهم الرويلات، الصعيبات، المطران، الماهل، العريمات، السردي، الفرعين.
- الجميل: ويتفرع بدقة إلى حسن (الحافظ، البلهلول، الطلاس)، حسين (الدغمي، المنصور، المتين)، منيس (البرابرة)، عيد (الهقشا – الشرمان، المضهور، الجنفان، النورة). وللدغمي فروع مثل المعجل (الكريم، المدلج، المحمد)، المهنا (الدبيس، اليباس، الشعاع).
- الدرعان (السيافا): “عيال سيف”. فروعهم: الدريعي (فوزان – الراضي، العنيزان، البطنان، الملافية، الصللة، العساكرة، العبيد)، المديرع (العوشز “الجنفان”، الخنسا)، المشاعلة. ووسومهم تميزهم مثل “المحجان” و”الهلال”.
- بطن الفرجة: العوجان والفروسية والصمود
- الهوية المميزة: نخوة الفرجة الخاصة هي “العوجان”، ووسومهم مميزة (هلال، مطارق، مغازل على الرقبة). اشتهروا بالشجاعة والصلابة.
- التقسيم: ينقسمون إلى ثلاثة أفخاذ:
- المفرج: وأبرز فروعهم الرماح (نخوتهم أبو الحشو، وفيهم الشتية في الغوطة – المعيجل، اللويزة، الحسينات، العصيفير، الشبلي)، المشيط (البرمان، العرصان، الفقيرة)، القدران، العزول، المدهرشة. ومن كبارهم ابن مشيط وابن قدران وابن عرصان.
- المحرق: فروعهم: السباح (الباسط، الشعيل، الهويشل)، القفيان، السواحله.
- الوبيرات: فروعهم: الراشد (الخضعان – شيخ الفرجة الحالي، السمران، الهطلان، البادي)، الفلتة (الفلتة، العنيفيش). ومن شيوخهم التاريخيين ابن جزلة والمشوبش وابن متعب.
- بطن الكواكبة: التنوع والانتشار والرؤساء المتعددون
- قيادة مشتركة: يتميز الكواكبة بتعدد رؤسائهم (كابن كويكب، ابن مرفود، الوكلان، ابن الحميدي، العريض، ابن مصلفح، ابن جليدان) ووسومهم الخاصة (الدلو على الفخذ، الباب، المطارق).
- الفروع الرئيسية:
- الجرفة: وتشمل الخمسي (الرحمة “الشريفات”، الفريحات، النبوث، الهديب، الصالح)، الربيّع (العرضان – المحمد، الوقيان، العذوق؛ الختّام – الصوان، المسعود).
- السويط: وتنقسم إلى المديغم (السويلم – الوكلان، العبيدان، السلمان، الفلاح، الغنيم، السمير؛ الرشود، الجواهلة، اللجنان، الربيعة)، الوهيب (الجليدان – الجديلة، القوزة، المحمد، المجيزيم؛ الوادي – المحسن “المصلفح”، العواد، العمر، الفحيمان).

شجرة المرعض قلب الرولة النابض ومركز الثقل القيادي
بما أن بطن المرعض يحمل حالياً مشيخة الرولة العامة، واستقرت الرئاسة في عائلة الشعلان المنحدرة من فخذ الجبران (المحمد/الشعلان) تحديداً من الغرير ثم المنيف، فإن استعراض فروع أفخاذ الرولة داخل المرعض يصبح بالغ الأهمية لفهم التركيبة الحالية للقبيلة. هذا الفخذ العملاق (المرعض) بعد أكبر فخذ في قبيلة الرولة، ويمثل نموذجاً مذهلاً لتعقيد وثراء البنية الداخلية للقبيلة العربية الأصيلة:
- الجبران (مركز القيادة): كما أسلفنا، هم قاعدة حكم آل الشعلان. تفاصيل عشائرهم مثل النواصرة (العجيل: المجارمي، الطريف “العيطا”، الجلغيف، الوجدا؛ العقلا: الروابعة، الغمر؛ التركي: الحلاتيت، الدياري، السردا؛ الحامد: القماش، التشوقي؛ الكليب: المشاطرة، البشمة، الشملان، الفحاثا) والقطاعا (السالم، الذرب، المسعود، الشارع) والحمودية، ليست مجرد أسماء، بل هي عائلات مترابطة بروابط الدم والنخوة والمسؤولية تجاه الفخذ والبطن والقبيلة.
- العلمة (الحسن): نخوتهم “العوجان” تجسد روحهم. تفصيلات عشائر الخمسي (المدهم: الرقطان، الدليان، الغرانيق؛ الذويخ: المحيميد – الرقاد، الصلعان، الشلات، العميان، الرخيم، السحل، الغربان؛ النافل – الزبلان، البخاصا، الكنوك، السابل، الشمبر، البصير، الهنادا؛ الغميليز، الدلالا؛ الرشدة: العواملة، الدبيديب، السيف، المصاولة، الجميعان، الضيدان، الهربي) والحمد (السعيد: الحوا، الغريب؛ السالم: الظبية؛ الشقرا: الجريبة، الكومة، الخنوص؛ الخويلدة: الضبطان، الحرفة – ابن جريبا، أبو صلعا) تظهر مدى التوسع والتنوع داخل هذا الفخذ الحيوي.
- النصير: الكثرة والعَزَّة: كونهم أكثر البطون عدداً ولقبهم “متعصية بالسيوف” يختصر هيبتهم. التقسيم الدقيق بين النُّصَير (بفتح الصاد: النصير، الخلف، الزوايدة، الجريف، المسعد، السالم، العشيران) والنُّصِير (بكسر الصاد: الربيعان، الطارف، الرشيد، العبيد) والكبوش والفججة، وما تفرع عن كل منها من عشرات العشائر المحددة بوضوح (مثل العليان والحيزان من السبيط، أو المحينات من العيفة في الزوايدة، أو البنية والباني من المشرف في الفججة)، هو دليل على نظام اجتماعي دقيق حافظ على تماسك هذه الكتلة البشرية الهائلة عبر القرون. المعلومات الواردة من السيد فريح بن ضافي بن نصير تقدم نافذة ثمينة على تفاصيل هذا الفخذ العظيم.
من هم قبيلة الرواة من عنزة
لا يمكن اختزال قصة أفخاذ الرولة في سرد جاف للأسماء والأنساب. فهم يمثلون:
- نموذجًا فريدًا للتنظيم الاجتماعي البدوي: لقد طوروا نظامًا معقدًا وفعالًا للإدارة الذاتية داخل الصحراء، يعتمد على التراتبية الواضحة (البطن > الفخذ > العشيرة > الفصيلة > العائلة)، واحترام سلطة الشيخ، والتضامن الداخلي (النخوة)، وآليات حل النزاعات، وإدارة الموارد الشحيحة مثل المراعي والمياه. كانت كل عشيرة من أفخاذ الرولة وحدة اجتماعية واقتصادية وسياسية متكاملة إلى حد كبير.
- قوة عسكرية وسياسية مهيمنة: سيطروا لقرون على طرق التجارة الحيوية وشكلوا قوة لا يستهان بها في معادلات القوة الإقليمية. مشاركتهم في الثورة العربية بقيادة نوري الشعلان هي خير دليل على دورهم السياسي والعسكري الفاعل على المسرح الأكبر. قوتهم فرضت احترامهم من قبل الدول المجاورة.
- حُماة التراث والهوية: حفظ شيوخ وعقال وعارفو كل فخذ من أفخاذ الرولة أنسابهم بدقة مذهلة، ونقلوا أمجاد الأجداد وأيام العرب وأشعارهم عبر الأجيال. الوسوم (الوشم على الإبل) والنخوات ليست رموزاً فحسب، بل هي شيفرة هوية تحفظ الانتماء في بحر الصحراء الواسع.
- جسر بين الماضي والحاضر: رغم استقرار الغالبية العظمى الآن، إلا أن الروابط القبلية والانتماء إلى الفخذ أو العشيرة لا تزال قوية ومؤثرة في حياة أفراد الرولة. الأسماء العائلية الكبيرة (كآل الشعلان، آل البنية، ابن دغمي، الخضع… إلخ) تحمل وزناً اجتماعياً وسياسياً في دول إقامتهم.
- امتداد جغرافي يعكس حركة التاريخ: من الجوف ووادي السرحان، إلى نجد والحجاز، إلى الأردن وسوريا والعراق، وحتى وجود تاريخي في فلسطين (كما في فخذ الحفاة من الطلوح)، يظهر الانتشار الواسع لـ أفخاذ الرولة كيف شكلت الهجرات والتحالفات والظروف السياسية والاقتصادية خريطة وجودهم.
القيادة: من القعقاع إلى الشعلان.. مسيرة زعامة متجددة
تتجسد قصة أفخاذ الرولة في قصة زعامتهم. بدأت الزعامة التاريخية في بطن القعاقعة مع الشيخ الأسطوري القعقاع، الذي أصبح اسمه مرادفاً لفروسية الرولة. ثم انتقلت المشيخة العامة لاحقاً إلى بطن المرعض، وتحديداً إلى عائلة آل الشعلان المنحدرة من فخذ الجبران (من المحمد/الشعلان، من الغرير، من المنيف). لعب آل الشعلان دوراً محورياً في تاريخ الرولة الحديث، خاصة مع الشيخ نوري بن هزاع الشعلان، قائدهم في الثورة العربية، والذي كانت له علاقات وطيدة مع الشريف حسين والملك عبدالعزيز آل سعود. وقد استمرت الزعامة في هذه الأسرة، حيث يتولى الشيخ نواف بن فواز بن نواف بن النوري الشعلان مشيخة القبيلة حالياً. كما أن الشيخ فايز بن مساعد البنية هو شيخ فخذ المرعض. هذا الاستقرار النسبي في الزعامة، رغم تعقيد البنية الداخلية للقبيلة واتساعها، يشير إلى حكمة آل الشعلان وقدرتهم على قيادة هذا الكيان الضخم وتمثيله، وبناء علاقات قوية مع الحكومات في المملكة العربية السعودية (حيث يتمتعون بعلاقات وثيقة مع العائلة المالكة) والأردن ولبنان.
أفخاذ الرولة.. حيث لا تزال أنفاس الصحراء تُحكى
إن استعراض تفاصيل أفخاذ الرولة – من المرعض حاملي الراية والقيادة بفروعهم الجبران والعلمة والنصير المتشعبة، إلى القعاقعة أهل الخيل الشهب وأصحاب المشيخة التاريخية بفروعهم المانع والغشوم والحماميد والربشان، مروراً بالدغمان المتماسكين والفرجة أصحاب النخوة “العوجان”، ووصولاً إلى الكواكبة متعددي الرؤساء – هو رحلة في عمق التاريخ الاجتماعي والسياسي للجزيرة العربية. هذه ليست مجرد أسماء على شجرة نسب، بل هي عائلات حملت لقرون قيماً البداوة الأصيلة من كرم وشجاعة ونخوة وإباء، وسطرت فصولاً من البطولة في الصحراء، وتأقلمت ببراعة مع تحولات العصر الحديث. أفخاذ الرولة تمثل نموذجاً حياً لحيوية التراث القبلي العربي وقدرته على الصمود والتكيف، وهي تذكير بقوة الروابط الاجتماعية والانتماء التي شكلت، ولا تزال تشكل، جزءاً أساسياً من الهوية في عالمنا العربي. إنها حكاية دم يتدفق من عمق التاريخ ليظل نابضاً في شرايين الحاضر.
مواضيع ذات صلة: