تشهد الساحة اليمنية تصاعدًا في التوترات السياسية حيث تتجلى أزمة الشرعية اليمنية في تجاوزات مؤسسية وتحديات جسيمة تواجه مبدأ الشراكة الوطنية. تتناول هذه الأزمة بيانات وتصريحات لمسؤولين ومكونات سياسية متعددة، تكشف عن خلافات عميقة حول صلاحيات السلطات، غياب التوافق، وتهميش بعض الأطراف الفاعلة.
تجاوزات مجلس القيادة الرئاسي وصلاحيات البرلمان
أصدر عضو البرلمان علي عشال بيانًا شديد اللهجة، يدين فيه ما وصفه بـ “تجاوزات” مجلس القيادة الرئاسي على صلاحيات مجلس النواب في الوظيفتين التشريعية والرقابية. أكد عشال أن هذه التجاوزات تمثل “نسفًا لشرعية مؤسسات الدولة ونقضًا لأسسها“، وتخالف أحكام الدستور والمرجعيات الحاكمة للمرحلة، بما في ذلك إعلان نقل السلطة.
وأشار عشال إلى تجاوزين رئيسيين :
- التجاوز الأول: قيام رئيس مجلس القيادة الرئاسي بتفويض رئيس مجلس القضاء الأعلى بإجراء تعديلات على قانون الرسوم القضائية (القانون رقم 26) بتاريخ 20 أبريل 2025. يعتبر عشال هذا الإجراء خرقًا واضحًا، حيث أن حق إصدار القوانين وتعديلها هو حق حصري لمجلس النواب.
- التجاوز الثاني: إسناد دور رقابي على السلطة التنفيذية إلى هيئة التشاور والمصالحة والمكونات السياسية، وهو ما أُعلن عنه في خبر لقاء رئيس مجلس القيادة الرئاسي مع قيادة هيئة التشاور والمكونات السياسية. يشدد عشال على أن الرقابة على عمل السلطة التنفيذية من اختصاص مجلس النواب والمؤسسات الرقابية التي حددها الدستور والقوانين فقط، وليست هيئة التشاور والمصالحة أو المكونات السياسية، وأن إعلان نقل السلطة لم يمنح هذه الهيئة حق التشريع أو الرقابة.
وحمّل عشال مجلس النواب ورئاسته مسؤولية التصدي لهذه التجاوزات الصارخة التي تمس وظيفته التشريعية والرقابية، وتهمش دوره، خاصة وأنه هو من منح الثقة لمجلس القيادة الرئاسي الذي أقسم أعضاؤه على احترام الدستور والقانون.
مواضيع ذات صلة: تمرد وزاري ضد بن مبارك وصراع المصالح يهدد استقرار الحكومة
دعوة المقاومة الوطنية لتصحيح المسار وتعزيز الشراكة
تتبعت الأمانة العامة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية اللقاءات والاجتماعات التي يعقدها رئيس مجلس القيادة الرئاسي، معربة عن قلقها من مناقشة قضايا حيوية تمس حياة المواطنين دون حضور الجهات الحكومية المعنية. أكد بيان المقاومة الوطنية على ضرورة إجراء هذه النقاشات ضمن الإطار الدستوري والقانوني وبمشاركة الأطراف الحكومية ذات الصلة.
واعتبر البيان أن مناقشة القضايا الحيوية في غياب الجهات المختصة هو تجاوز للمسؤوليات الدستورية وإضعاف للهيكل المؤسسي. كما شدد على أهمية مراجعة آلية التعامل مع القوى والمكونات السياسية، داعيًا إلى تجنب الانتقائية في الدعوات والاجتماعات لضمان التوافق الوطني. وحثت المقاومة الوطنية مجلس القيادة الرئاسي على إعادة النظر في هذه الممارسات لحماية المؤسسات الوطنية وتعزيز الشراكة السياسية وفقًا للدستور والقانون.
وأكدت المقاومة الوطنية ترحيبها بأي نشاط لقيادات الدولة، لكنها رفضت مناقشة مواضيع من صميم عمل الحكومة ومسؤولياتها دون دعوتها للحضور، خاصة في ظل الضائقة الاقتصادية غير المسبوقة. كما رفضت الدعوات الانتقائية للمكونات السياسية، معتبرة أنها لا تقدم حلولًا حقيقية للمشكلات وتضعف الهيكل المؤسسي للدولة.
بيان يصحح البوصلة.. لا يهاجم السفينة”
بحسب الصحفي سمير اليوسفي فان بيان المقاومة الوطنية يصحح البوصلة ولايهاجم السفينة، ويشير اليوسفي الى ان البيان أنه لم يكن صداميًا بل جاء لتصحيح المسار ووضع اليد على موضع الخلل، وهو غياب المؤسسية وتراجع مبدأ الشراكة الوطنية. وأشار إلى أن البيان تساءل بهدوء عن كيفية مناقشة تحديات اليمنيين اليومية في غياب الحكومة المعنية، وعن عقد اجتماعات تشاورية دون إشراك مكون بحجم المقاومة الوطنية.
كما أوضح أن تغييب المقاومة الوطنية من هيئة التشاور والمصالحة، ومن ثم من النقاشات المصيرية، يمثل قرارًا مزدوجًا يفتقد للحكمة والعدل. وشدد على أن التعامل مع الشراكة الوطنية كـ”مساحات مؤقتة تُفتح وتُغلق على المزاج” يضر بالمصلحة الوطنية العليا.
وخلص اليوسفي إلى أن البيان لم يطالب بأكثر من احترام الهيكل والميزان، وإعادة الأمور إلى نصابها القانوني والمؤسسي، محذرًا من أن ما يحدث اليوم قد يراكم أزمات الغد، ويضعف فكرة التعدد داخل الشرعية. ودعا إلى تصحيح التمثيل وإدماج جميع الشركاء الفاعلين في صنع القرار الوطني، مؤكدًا أن الشرعية يجب أن تصمد أمام اختلالاتها الداخلية عبر النقد من الداخل والتصحيح الهادئ والتواضع المؤسسي.
فيما أكد الكاتب عبدالكريم المدي أن الاعتراضات والعتب ظاهرة صحية في السياسة والعمل الوطني. وأعرب عن ثقته في رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، في الاستماع للآراء ومعالجة الاختلالات. رأى المدي أن بيان المقاومة الوطنية لم يخطئ أو يقلل من جهد الرئيس، بل “وضح نقاطًا داعيًا لمعالجة الثغرات وتصحيح المسار”.
وشدد المدي على أن المرحلة الراهنة تتطلب تعزيز روح الشراكة وسرعة الاستجابة، مؤكدًا أن الرئيس العليمي، بصفته قائدًا، يستمع للجميع ويعمل على إزالة أي “ركام” يقع على البيت الوطني. ودعا إلى رص الصف قولًا وفعلًا، متمنيًا التوفيق في جهود جمع القلوب ومعالجة القصور.
“بيان المكاشفة لتصحيح مسار التوافق والشراكة” بقلم المحرر السياسي
وصف بعض انصار واعضاء المقاومة الوطنية بيان المقاومة الوطنية بأنه “مكاشفة صريحة وعقلانية” أضاءت اختلالات مسار الشراكة داخل الشرعية. وأشار إلى أن البيان “شخص الأعطاب التي تعوق قاطرة العمل المشترك”، ولخص بوضوح التحديات التي تقوض جماعية التوافق وتفعيل المؤسسات، مع التأكيد على أن “قضايا الناس الأساسية يجب أن تظل الأولوية القصوى”.
وأوضح أن دعوة حضور الحكومة في النقاشات المتعلقة باختصاصاتها نبعت من حرص وطني للحفاظ على وحدة الصف، ورفض أي تـأويل بأنها تحمل مصلحة سياسية ضيقة. كما انتقد حملة التضليل الحوثية ضد البيان، معتبرًا أنها تستهدف فرص التصحيح وتضعف فكرة التعدد داخل الشرعية.
وبحسب اراء رصدها موقع تداوين فان هناك من يرى أن المكتب السياسي وضع مبدأ الشراكة الوطنية ووحدة الصف في صدارة أولوياته منذ نشأته، وترجم ذلك في مناسبات عدة. وشدد على أنه ليس من المنطق أن تكون المقاومة الوطنية شريكًا محوريًا في المعركة ضد المشروع الإيراني، بينما يبقى تمثيلها السياسي هامشيًا. ودعا إلى تصحيح المسار المؤسسي وضمان أن تظل بوصلة الشرعية موجهة نحو تحقيق توافق حقيقي يخدم الشعب والبلاد.
أزمة الثقة داخل الحكومة تتكرر بعد أزمة بن مبارك
تذكر هذه المعركة الاعلامية التي تدار حاليا ، والتي تكشف عن خلل في مؤسسة الرئاسة، تذكر بأزمة الثقة التي اندلعت داخل الحكومة الشرعية في حكومة رئيس الوزراء السابق احمد عوض بن مبارك، حيث حيث قام عدد من الوزراء بـ”تمرّد” على رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك. بدأ الأمر بمقاطعة “سمر رمضاني” كان يهدف إلى ردم الفجوة داخل الحكومة، ثم تصاعد إلى اجتماع مباشر مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لتقديم تقرير يحمل بن مبارك مسؤولية الفشل.
فيما عزاء كثير من المحللين الى ان التمرد الوزاري حينها كان بتوجيهات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي الذي كان على خلاف مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك على خلفية اصلاحات اقتصادية.
وفيما تكشف هذه التباينات والاختلافات التي تظهر للسطح واحدة تلو الاخرى عن أزمة ثقة عميقة داخل الحكومة الشرعية، تشير في الوقت ذاته الى تفاقم الصراعات الداخلية وتأثيرها السلبي على الأداء الحكومي والوطني، مما يهدد استقرار الشرعية في اليمن.
الحراك التهامي والمقاومة التهامية: مطالبة بالتمثيل العادل
مساء اليوم الخميس 26 يونيو أصدر الحراك التهامي والمقاومة التهامية بيانًا بشأن “الاستحقاق السياسي لتهامة“، مؤكدين حضورهما الوطني المبكر في معركة الدفاع عن الجمهورية. وقد شدد البيان على النقاط التالية:
- أهمية ترسيخ الشراكة الوطنية الحقيقية: طالب البيان بتجسيد هذه الشراكة لتشمل أبناء تهامة الذين قدموا تضحيات جسيمة، منددين باستمرار تغييبهم عن مواقع صنع القرار وعدم منحهم التمثيل العادل.
- الشراكة العادلة حق أصيل: أكد البيان أن تهامة تمثل “الضلع الرابع في الخارطة الوطنية“، وأن لها حقًا أصيلًا في التمثيل العادل والمتوازن في كافة مكونات الجمهورية اليمنية.
- الاستغراب من التهميش: عبر الحراك عن استغرابه العميق من استمرار تهميش تهامة، بينما تحظى بقية مناطق الجمهورية بحقوقها في التمثيل، رغم مكانة تهامة الجغرافية والوطنية كواجهة اليمن الغربية وبوابته البحرية.
- المطالبة بالتمثيل العادل: جدد البيان المطالبة بتمثيل عادل لتهامة في كافة مؤسسات الدولة والسلطة، مؤكدًا أن الحراك التهامي والمقاومة التهامية هما الممثلان الشرعيان لهذه الجغرافيا وقضية أبنائها.
- التعاون والتكامل: أكد الحراك حرصه على التعاون والتكامل الإيجابي مع كافة المكونات الوطنية لاستكمال معركة استعادة الدولة وبناء يمن اتحادي مستقر.
- تثمين دور التحالف العربي: ثمّن البيان عاليًا المواقف الأخوية والدور الإيجابي للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وما يقدمونه من دعم لإعادة تمثيل جميع المكونات وفق شراكة عادلة.
يختتم البيان بتأكيد التضحيات التي قدمها أبناء تهامة، والحرية للمختطفين، والشفاء للجرحى، رافعًا شعار “عاشت تهامة حرة أبية“.
خلاصة وتوصيات
تُظهر هذه البيانات والتحليلات أن الشرعية اليمنية تواجه تحديات بنيوية تتجاوز الصراعات العسكرية، لتشمل أزمة حقيقية في إدارة الدولة، واحترام الدستور، وتطبيق مبادئ الشراكة الوطنية. إن استمرار التجاوزات على صلاحيات المؤسسات، وتهميش بعض المكونات الفاعلة، وغياب التوافق داخل الحكومة، يهدد بتقويض ما تبقى من أسس الدولة.
لتحقيق الاستقرار والتعافي، يُوصى بالآتي:
- الالتزام بالدستور والقانون: يجب على كافة الأطراف، وبخاصة مجلس القيادة الرئاسي، الاحترام الكامل للدستور والفصل بين السلطات، ووقف أي تجاوزات على صلاحيات مجلس النواب أو أي مؤسسة دستورية أخرى.
- تعزيز الشراكة الوطنية الحقيقية: يجب إعادة النظر في آلية التعامل مع المكونات السياسية، وضمان تمثيل عادل وفاعل لكافة الأطراف الفاعلة.
- إصلاحات حكومية شاملة: يتطلب الوضع الراهن مراجعة شاملة لأداء الحكومة، ومعالجة أسباب الخلافات الداخلية، وضمان الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد المالية، لمنع أي تجاوزات أو فساد.
- الحوار الوطني الشامل: لا يمكن تجاوز هذه الأزمة دون حوار وطني شامل يضم كافة الأطراف داخل الشرعية، للاتفاق على رؤية موحدة لمستقبل اليمن، بما يضمن بناء دولة مؤسسات قوية وفاعلة يمكنها من أستعادة الجمهورية والقضاء على مشروع الامامة في اليمن.